نافذة:
شعب كثيرة في بعض الجامعات وخصوصا في العلوم الدينية والفكر الإسلامي والعلوم السياسية والأمنية والفلسفة أصبحت تشكو من فراغ كبير نتيجة الهجرة
عرفت الجامعات المغربية موجة هجرة جماعية غير مسبوقة نحو الجامعات الخليجية، قام بها أساتذة باحثون من مختلف المجالات. باحثون معروفون وطنيا في مجالات الفلسفة والفكر الإسلامي والفقه واللغات، والبعض الآخر تعدى صيتهم العلمي حدود الوطن. ومثلما يحدث في مجالي الرياضة والفن، فضل العديد من الباحثين المغاربة الهجرة، إما بشكل دائم أو مؤقت، والتوقيع على عقود، بعضها عقود دائمة للعمل في مراكز البحث التابعة للجامعات هناك، فيما فضل آخرون اللجوء لطرق ملتوية، من قبيل اختزال عملهم في الجامعات المغربية في بضع محاضرات حضورية فيما يقدمون بقية دروسهم عن بعد.
موسم هجرة الباحثين إلى الخليج
عمل هيئة التدريس المغربية في دول الخليج ليس وليد اليوم، حيث انتدبت بعض هذه الدول مدرسين مغاربة لتدريس المواد العلمية، وخاصة الرياضيات. كان هذا في التسعينات وبداية الألفية الثالثة، وكان الانتداب يتم بطرق رسمية عبر اتفاقيات تعاون وقعها المغرب، خصوصا مع سلطنة عمان والبحرين.
غير أن المستجد، الذي حملته السنوات الأخيرة، هو هجرة جماعية لأساتذة الجامعات نحو مراكز بحث تابعة لجامعات خليجية، وذلك في شكل تعاقدات فردية تتم بين هذه المراكز وهؤلاء الأساتذة. تعاقدات تشمل العمل بشكل دائم مقابل أجور تبدو مغربيا خيالية، وأحيانا تكون تعاقدات مؤقتة، على شكل دورات تعليمية، يقوم فيها بعض الجامعيين المغاربة بتقديم دروس وتأطير ورشات تكوينية وبحثية لفترة معينة من السنة الجامعية هناك، والتعويضات دوما عالية جدا.
«الكارثة» هو الوصف الذي أعطاه الأستاذ الرميحي، الباحث في جامعة محمد الخامس، في تعليق له على ظاهرة هجرة الجامعيين المغاربة نحو الجامعات الخليجية، ذلك لأن شعبا كثيرة في بعض الجامعات، وخصوصا في العلوم الدينية والفكر الإسلامي والعلوم السياسية والأمنية والفلسفة، أصبحت تشكو من فراغ كبير نتيجة هذه الهجرة.
وأضاف الأستاذ الرميحي أن أغلب الأساتذة الذين يحصلون على التقاعد، سواء النسبي أو بحد السن أو لأسباب مرضية، يهاجرون إلى الخليج بعقود طويلة المدى، لكن البعض الآخر يفضلون «سياسة رجل هنا ورجل هناك»، حيث يعمدون إلى طرق ملتوية للحفاظ على مناصبهم هنا وبالتالي ضمان ترقياتهم، وفي الوقت نفسه لا يفرطون في التعويضات المجزية التي يحصلون عليها.
وأكد المتحدث نفسه أن جامعات قطرية وإماراتية وبحرينية، وخاصة الجامعات الدولية التي فتحت فرعا لها هناك، باتت تفضل الباحثين العرب من المغرب وتونس ولبنان وفلسطين، أولا بسبب ثقافتهم العربية وثانيا لأن الباحثين الدوليين في الجامعات الغربية نادرا ما يقبلون عروض الإقامة والعمل في الخليج العربي، ويفضلون الاكتفاء بتقديم محاضرات وتنشيط ندوات ودورات تكوينية قصيرة والعودة إلى جامعاتهم الأصلية، لذلك تجد الجامعات الخليجية في الباحثين المغاربيين «أدمغة رخيصة» لا تكلف شيئا قياسا لتكلفة انتداب أساتذة أوروبيين أو أمريكيين أو كنديين.
استغلال موجة التعليم عن بعد
من جهتها قالت الأستاذة نعيمة الحجري: «لا أغالي إن قلت إنّني أودّع زميلاً على الأقل كلّ أسبوع في هذه الجامعة، الوضع مأساوي وإذا استمرّ على حاله لن يبقى أستاذ ولا جامعة وطنية»، متحدثة عن موجة الهجرة المستمرة للأساتذة الجامعيين وتحديداً منذ ثلاثة أعوام، وعن شعب فرغت بشكل كامل من أساتذتها، وعن وحدات دكتوراه مهدّدة بالإقفال في حال استمر الوضع على ما هو عليه، لكون العديد من الأساتذة باتوا متعاقدين مع جامعات خليجية، وبعضهم يتابعون عملهم مع طلبتهم المغاربة من هناك عبر التعليم عن بعد.
وأضافت الأستاذة الحجري أنه، بالاطلاع على مضمون المذكرة التي وجهها وزير التعليم العالي إلى رؤساء الجامعات، في يوم 06 أكتوبر 2022، تحت رقم 8686، بخصوص الاستفادة من طلبات الاستقالة والتقاعد النسبي، يتأكد، بما لا يدع مجالاً للشك، أن استنزافاً واضحاً تتعرض له مؤسسات التعليم العالي، من خلال الهجرة، أو الرغبة في الهجرة بالنسبة لعددٍ كبير من الأساتذة الباحثين وغيرهم من الأطر، إلى خارج جامعاتهم، أو إلى خارج أرض الوطن، بحثاً عن آفاق علمية ومهنية وحياتية أفضل وأرحب.
وأشارت المتحدثة نفسها إلى أن «هذا الإقرار الرسمي بفداحة الظاهرة يأتي في الوقتِ الذي تسعى فيه بلادُنا نحو استعادة كفاءاتها من الخارج لكي تساهم في تنمية وطنها، كما يأتي ذلك في سياق الحديث عن إصلاحٍ عميق يتم التحضير له بالنسبة للجامعة والتعليم العالي، وللبحث العلمي الذي أظهرت الجائحة أهميته البالغة لجميع الدول».
وشددت الأستاذة الحجري على أنه، بغض النظر عن تخوفات الوزير الإدارية من التفاوت الحاصل في قَبول أو رفض الطلبات المذكورة، ما بين مصالح الوزارة المركزية من جهة، وبين الهياكل الجامعية المختصة من جهة ثانية، فإن السؤال العريض الذي يتعين على ميراوي الإجابة عنه هو الشروط التي يشتغل فيها الأستاذ والباحث الجامعي، ومدى جاذبية الظروف المعنوية والعلمية والمادية التي تتيحها الجامعة المغربية.
وطالبت الأستاذة الحجري بالكشف عن تقييم الوزارة لظاهرة هجرة الأدمغة المغربية إلى خارج أسوار الجامعة، ونحو الخارج، وحول أسبابها ودواعيها، متسائلة حول الإمكانيات التي سترصدها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي من أجل تشجيع الباحثين على الاستقرار والعمل في وطنهم والإسهام في تنميته، علاوة على التدابير التي يجب على الوزارة اتخاذها من أجل جعل الجامعة المغربية ذات مكانة دولية على الصعيد العلمي، والإجراءات المادية والاجتماعية التي ستعمل الوزارة على إخراجها من أجل تحفيز أساتذة التعليم العالي.
متفرقات:
الأساتذة المبرزون يحتجون
طالب الأساتذة المبرزون، وزارة التربية الوطنية، بالاستجابة العاجلة لمطالبهم عَلى أساس مضامين اتفاق 19 أبريل 2011. جاء ذلك خلال الملتقى الوطني الأول للأساتذة المبرزين من تنظيم السكرتارية الوطنية للمبرزين، وإشراف المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل. ويطالب الأساتذة المبرزون بالإسراع في تعيينات المبرزين والمستبرزين مع احترام التخصصات والمستويات، علاوة على التسوية الفورية لفوجي 2019 و2020.
ويستنكر المبرزون «إسناد مهام جديدة للأساتذة المبرزين بدون سند قانوني»، ومن دون رصد تعويضات لهم خلال السنتين الأخيرتين فضلا عن مهام أخرى كانت مسندة لهم سلفا منذ سنين والتي لا يؤطرها القانون، كما أن بعض الأساتذة يتقاضون تعويضا هزيلا عنها والبعض بدون تعويض. ويدعون الوزارة إلى الانتباه إلى وضعية هؤلاء الأساتذة المنافية لحقوق الموظف بصفة عامة والأستاذ بصفة خاصة، وطرح هذا الوضع بجدية على طاولة الحوار، مطالبين بإسناد المهام في مقابل تعويضات مقبولة ومرضية ومؤطرة من الناحية القانونية.
أساتذة الأمازيغية يدرسون مواد أخرى
قالت التنسيقية الوطنية لأساتذة اللغة الأمازيغية إن وزارة التربية الوطنية، عوض أن تقوم بتعميم تدريس الأمازيغية من خلال زيادة عدد الأساتذة، قامت، بدل ذلك، بـ«تعميم» الأستاذ وتكليفه بالاشتغال في أكثر من مؤسسة.
وأوضحت التنسيقية أن تكليف الأستاذ بمهام أخرى غير تدريس الأمازيغية لجأت إليه مديريات في أغلب الجهات، معتبرة ذلك «تكليفا تعسفيا». وأضاف الأساتذة، في بيانهم، أن الوزارة تفرض على الأساتذة الاشتغال في مركزية، بالإضافة إلى فرعيتين بمنطق تدريس المستوى الأول في كل مؤسسة حتى يتسنى للوزارة في إحصائياتها زيادة بعض الأرقام مجددا من أجل إقبار مشروع التعميم الفعلي للأمازيغية. وسجلت التنسيقية، كذلك، إقصاء الأمازيغية من مشروع المؤسسة الرائدة التي لم تدرج الأمازيغية في التكوينات التي استفاد منها أساتذة المزدوج كل حسب تخصصه، مسجلة أن بعض المديرين يصرون على تكليف أساتذة اللغة الأمازيغية بتدريس الفرنسية أو الرياضيات أو العربية.