دموع التماسيح
كل من يصدق أن المنظمات التي تمولها حكومات الدول ذات الماضي الاستعماري الدموي تسعى من أجل أن تتحقق الديمقراطية في الدول النامية وبلدان العالم الثالث، خصوصًا بلدان العرب والمغرب الكبير، يجب أن يفهم أن هذه الدول هي آخر من يفكر في مصلحتنا.
كل من يعتقد أن رخاءنا وتقدمنا ومستقبلنا يهم هذه الدول، وأنه من أجل هذا الهدف تعمل منظماتها ليل نهار على كشف عيوب أنظمتنا وتعداد أخطاء حكوماتنا، عليه أن يصحو من نومه الثقيل لكي يرى الحقيقة العارية والتي ليست شيئًا آخر غير أن هذه الدول يهمها شيء واحد فقط هو مصلحتها وليس شيئًا آخر غير مصلحتها.
أما كل تلك المنظمات التي تسلطها هذه القوى على الدول الضعيفة فليست سوى أذرع تلتف حول أعناق الأنظمة والحكومات لكي تخنقها وتجبرها على الخضوع لأطماعها ومنحها كل ما ترغب في نهبه من ثروات والفوز به من صفقات دون منافسة.
كل من يتصور أن الدول القوية هي جمعيات للبر والإحسان تسعى بواسطة منظماتها الدولية لإقامة العدل ونشر الديمقراطية في الدول الضعيفة والفقيرة، فعليه أن يفهم أن منطق تلك الدول هو استعمال منظماتها وأذرعها الحقوقية لإخضاع الدول الضعيفة بلي أذرع أنظمتها وحكوماتها من أجل هدف واحد ووحيد هو إخضاعها وابتزازها.
إن دولة كأمريكا تدعي ريادة العالم فيما تمارس العنصرية على مستوى الدولة وتسلط شرطتها لقتل مواطنيها في الشوارع فقط لأن لون بشرتهم أسود لا يمكنها أن تعطي الدروس في الديمقراطية وحقوق الإنسان لأي بلد.
إن دولة استعمرت تقريبًا كل بلدان العالم كبريطانيا شاركت في كذبة كبيرة اسمها امتلاك صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل فقط من أجل احتلال العراق وتمزيقه لنهب نفطه وقتل مليون من مواطنيه، لا يمكنها أن تعطي الدروس في الديمقراطية وحقوق الإنسان لأي بلد.
إن دولة كفرنسا ما زالت إلى حدود اليوم تعيد جماجم المواطنين الذين قتلتهم إلى بلدانهم، وترفض الاعتذار للشعوب الإفريقية التي استعمرتها ونهبت ثرواتها وذبحت مواطنيها، لا يمكنها أن تعطي الدروس في الديمقراطية وحقوق الإنسان لأي بلد.
إن الذين يتصورون أن هناك عالما مكونا من دول غنية وقوية تفكر في نماء ورخاء ومستقبل عالم مكون من دول فقيرة وضعيفة عليهم أن يتوقفوا عن مغالطة أنفسهم، فالعالم مكان خطير وغابة يأكل فيها القوي الضعيف بلا رحمة ولا مكان فيها للنوايا الحسنة.
متى سيفهم الناس أننا نعيش في عالم تسطو فيه دول على دول لاقتسام حقول نفطها وغازها ونهب مياهها وتشريد مواطنيها. يبدؤون بشيطنة أنظمة الدول المستهدفة بتقارير منظماتهم، يسودون سمعتها في المحافل الدولية، ثم يقربون شرارات النار من حطب الغضب الشعبي اليابس الذي ينمو على هوامش البلد المهملة، وغالبا ما يستعملون أعواد ثقاب محلية، منهم المغامر الباحث عن لعب أدوار البطولة، ومنهم المتهور الجاهل بأبعاد المعركة، ومنهم الحقير الذي تجري دماء الخيانة في عروقه أبا عن جد.
وعندما تستوي الطبخة وتنضج الخطة على نار هادئة تنصب المائدة وتوزع الصحون فوقها بعدد المدعوين للوليمة ويبدأ توزيع البلد إربا إربا، فيما أبناؤه يجلس بعضهم في الركن في انتظار الفتات فيما بعضهم يغادر نحو بلدان الآخرين بحثا عن لقمة مغموسة في الذل.
نعم بلداننا متخلفة وغارقة في الفساد وبينها وبين الديمقراطية ما بين السماء والأرض، لكننا نريد أن نغير أوضاعنا بأنفسنا دونما حاجة للاستقواء بهؤلاء الإمبرياليين الذين لا يعطون شيئا بالمجان.
نريد أن نتصارع ونتعارك داخل بلدنا، لا يهم أن نتعرض للظلم وننتهي في السجن، لأننا سنلعق جراحنا وسنعود إلى الساحة من جديد نتصارع ونتعارك، لكن أبدا لن نضع أيدينا في يد الغريب لكي نستقوي به على البلد.
معركتنا مع الفساد والظلم توجد هنا في الداخل، ننعت البلد بالجحيم ونسمي العيش فيه عذابا، وعندما نكون خارج البلد ننسى كل مساوئه ونتحدث عنه بعشق كما لو كان جنة. هكذا هم الوطنيون الأحرار الحقيقيون.
ومثلما لا نتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان ولا نملي على مواطنيها وحكامها ماذا يجب عليهم أن يصنعوا أو يتركوا فإننا نريد أن يتركنا هؤلاء الغرباء وشأننا وأن لا يفتوا علينا ماذا يجب علينا فعله أو تركه لكي نعجبهم ونروق لهم.
نحن أحرار في بلدنا، ومعركتنا مع الفساد والتخلف والظلم معركتنا نحن ولا أحد له الحق في أن يركب على أعطابنا ونقط ضعفنا لكي ينسف السقف الذي يأوينا فوق رؤوسنا حتى يخلو له الجو لكي يدخل البيت ويحتله ويطردنا منه.
لقد رأينا ماذا صنعوا ببلدان وشعوب كانت إلى حدود الأمس القريب آمنة مطمئنة، أقنعوا العالم أنها تدار من طرف ديكتاتوريات دموية واستخرجوا حق التدخل فيها بجيوشهم بذريعة الرغبة الصادقة في منح شعوبها حياة أفضل، ثم دكوا مدنها فوق رؤوس مواطنيها وقسموها في ما بين شركاتهم الكبرى.
لا تنخدعوا بالدموع الحارقة التي يذرفونها في صفحات تقارير منظماتهم حسرة على حقوقنا المهضومة، فتلك ليست سوى الدموع التي تذرفها التماسيح عادة لتسهل عملية الهضم عندما تلتهم فريسة دسمة.