دمعة ميسي
حسن البصري
حين يصاب ليونيل ميسي بالزكام تنتاب نوبة العطس أنصار برشلونة، وحين يذرف دموعه حزنا على قرار الرحيل يبكي خلفه البارصاويون وتلطم النائحات خدودهن، فدموع ميسي لا تنساب على وجهه إلا حين يخسر لقبا بسبب ضربة جزاء رفضت الاستقرار في الشباك، ولم تنهمر دموعه إلا حين وقف في مراسيم دفن مدربه تيتو فيلانوفا.
شغلت دمعت ميسي رؤساء وزعماء سياسيين وأجلت عدة اجتماعات ومناظرات ساعة كاملة، فقط لأن الحدث أهم من الحرب على الوباء، ومن بلاغات منظمة الصحة العالمية ومن حرائق تركيا ومناورات حزب الله، فالرجل الذي ثقلت موازينه قادر بقرار الرحيل أو البقاء أن يسقط العالم تحت تلابيبه، وينزع عن الكلاسيكو الإسباني طعم المتعة.
أعرف صديقا برصاويا مهووسا بحب النادي الكتالاني، سكب دموعا عند رحيل ميسي أكثر من الكمية التي سكبها على ابنه حين ابتلعته أمواج البحر، والعهدة على زوجته، بل وكتب على صفحته الفايسبوكية ما يشبه التأبين فقط لأن المفاوضات اصطدمت بلابورطا.
في ثمانينات القرن الماضي كانت شهرة مارادونا تفوق شهرة ميسي بأضعاف، وقد أصيب المغاربة بالحمى المارادونية، حيث عفا شباب تلك الحقبة عن شعرهم ونفخوا صدورهم ووضعوا أقراطا في آذانهم وتهافتوا على قمصان تحمل رقم عشرة، وأصبحت «العشرة والشرويطة» تعني الحكم المطلق والزعامة الكاملة الأوصاف. تجاوز التشبيه حدود البشر إلى الطيور وأصبح دجاجة ماردونا أكثر اكتنازا وأغلى سعرا من الدجاج العادي.
اسمحوا لي أن أقدم مقارنة من صميم الدوري المغربي، رغم أنه لا مقارنة بوجود «ميسي». عندما قرر أسطورة الرجاء ظلمي الرحيل إلى فريق جمعية الحليب، لم يذرف الرجاويون دمعا لم يعتصموا أمام بوابة مقر النادي بالوازيس، بل احترموا رغبته وكان شرطه الوحيد ألا يلعب عبد المجيد ضد فريقه الأم فكان له ما أراد. وحين عاد إلى الرجاء هتف الرجاويون في المدرجات «لعبي يا رجا الظلمي هاهو جا» ورددوا على مسامع الودادييين موشح: «الظلمي هاو رجع والجيران شدهم لوجع».
لم يمانع الرجاء من تحقيق أمنية لاعبه الفذ، مصطفى شكري الملقب بـ «بيتشو»، حين اختار الانضمام للغريم الوداد، لم ينظم ندوة لشرح أسباب «التفويت»، لم يتبادل الطرفان اللوم، بل احترم الجميع قرار لاعب شعر بالاختناق فقرر تغيير الأجواء وكان له ما أراد.
غالبا ما يتم الانفصال حين تفشل محاولات ترضية الخواطر، ويعجز الحكماء عن رأب التصدع، وتعجز خزينة النادي عن تحقيق المطالب المالية. في مثل هذه المواقف يتم اللجوء لرمزية الطعام وتنتعش لعبة تقبيل الرؤوس، ويصبح التراضي عملة قابلة للترويج.
في زمن الهزيمة والانكسار، يصبح الاحتفاء بتمديد عقد لاعب أشبه بلقب «البطولة»، والنتيجة عشرات النجوم من الورق المقوى لا تحمل من ميسي إلا «ماركة» الحذاء ولون الشعر، تبحث عن ستوريات وسيلفيات وجمهور في العالم الافتراضي. وفي نهاية الموسم يركضون نحو غرفة المنازعات وهم يتأبطون محضرا مختوما من مفوض قضائي.
كثير من اللاعبين دخلوا أنديتهم دخول الفاتحين وخرجوا منها بمناديل من ورق تمسح دموع الفراق، فاللاعب المغربي في نهاية المطاف مجرد بضاعة قد تبور أو تزدهر، لذا اعتاد المغاربة أن يشبهوا حسن الخلق بعبارة «الله يعمرها سلعة».
نعود إلى النجم ميسي الذي فاقت عائداته اليومية مداخيل قناة السويس، فقد خصص له زعماء دول استقبالا في حجم كبار أقطاب السياسة في العالم. مرة أهدى قميصه لرئيس دولة عربية خلال زيارته لها، وبعد مرور ثلاث سنوات تبين أن الفرق بين ميسي والزعيم العربي يكمن في ضربة الجزاء، فإذا أهدرها ليونيل انهزم فريقه، فيما ضيع الحاكم شعبا بكامله وأجبر على الاعتزال بربيع عربي.
السؤال المطروح، إذا غادر ميسي برشلونة هل سيبقى في البلاي ستيشن؟