دلالة التنظيمات المسلحة في أربع كلمات
(الشرك بالله والعضلات بدون دماغ وعالم الغابة والديكتاتورية في السياسة)
مع عيد الفطر لعام 1436 هـ الموافق 17 يوليو 2015 م لم يكن جو العيد في السعودية عيدا فقد تم الإعلان عن تنظيم (عنقودي) من أكثر من 400 شخص ينتمون لثمان جنسيات، بالطبع منهم سعوديون، ومنهم نساء، قاموا بتفجير مساجد في المنطقة الشرقية، وكانوا في طريقهم لتفجير السعودية في أكثر من مكان. لا أدري لماذا ينتابني الرعب كلما مررت من جنب برج المملكة والفيصلية ووزارة الداخلية (الطبق الطائر) في الرياض. إنها مبان هائلة قد ينهي أمرها تفجير كما حصل في أبراج نيويورك.
ولكن لماذا يتوجه الشباب إلى هذه الأساليب في التغيير؟ في قناعتي أن استخدام القوة المسلحة لتغيير واقع الأمة فكرة فاسدة من أقطارها الأربعة: من (الدين) و(علم الاجتماع) و(البيولوجيا) و(السياسة):
ـ فهي أولا الشرك في (الدين)، وكما كانت شهادة أن (لا إله إلا الله) الأعظم كذلك بنيت الحياة السياسية على مبدأ (لا إكراه في الدين). وحرف (لا) للنفي يدخل على كل صور الإكراه وكل دين وفي أي اتجاه. فلا يقتل الإنسان من أجل آرائه أياً كان اعتناقاً أو تركاً، دخولاً أو خروجاً وإلا كانت إكراها وحبساً (بما يشبه السيارات التي تمشي للأمام فقط وطرقات سريعة باتجاه واحد).
وهذا يعني أنه بمجرد دخول الإكراه في الدين؛ فقد دخل الشرك ومزج التوحيد بالوثنية، واختلط الحق بالباطل. والذي يعلق أي أمل بالقوة؛ فقد أشرك في لغة الدين، وأدخل مع الله آلهة أخرى وأبطل عمله (في القرآن حبط عمله)؛ فمع الشرك يحبط كل عمل (لئن أشركت ليحبطن عملك).
ـ وهي ثانياً في لغة (علم الاجتماع) الدخول إلى (شريعة الغاب) والذي يملك القوة هو الله لا إله غيره، وهو ما قاله فرعون لموسى (لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين). أو للسحرة (لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى)، وهكذا فإن (عبادة القوة) هي عبادة الطاغوت والسجود للصنم.
ـ وهي ثالثاً في (اللغة البيولوجية) طلاق العقل واعتماد العضلات، وهو الفساد الأكبر للإنسان عندما تنقلب الأدوار؛ فيمشي الإنسان على رأسه منكساً، ولكن من يمشي على رأسه يخسر رأسه ورجليه معاً.
أتذكر من مقابلتين منفصلتين مع قناة الجزيرة حين سئل قيادي إسلامي وآخر شيوعي نفس السؤال: هل مارستم العنف؟ وكان جواب الاثنين واحداً: (نعم، دفاعاً عن النفس).
إن استخدام العنف لتحويل المجتمع هو الذي يجعل القاتل والمقتول في النار، لأنه (ليس كل دفاع عن النفس حقاً)، وهذا الشيء لا يستطيع فهمه لا الشيوعي ولا الإسلامي ولا الليبرالي ولا القومي، كما أن العالم جميعاً ليس له قدرة على فهم هذا الشيء الذي جاء به الأنبياء؛ لأن الكل يجيز (الدفاع عن النفس)، ولكن الدفاع عن النفس هو في الحقيقة في وجهه الثاني الخفي الاستعداد للهجوم على الآخرين، أي برمجة العدوان والقوة في المجتمع، وعندما يلتقي الطرفان بالسيف يتحول المجتمع إلى جهنم تلتهم كل الناس، وما حديث أفغانستان ببعيد، والعراق والحشد الشعبي والاقتتال بين فصائل لا نهاية لها في الشرق الأوسط.
ما معنى أن يكون الإنسان في مجتمع؟ إن وعياً مقدساً من هذا النوع يخلق (المواطن المنتمي)، لأن المجتمع يحمي من العدوان، والمجتمع الذي لا يستطيع حماية أفراده ويلجأ فيه كل فرد إلى الأخذ بحقه بذراعه يتحول إلى (مجتمع غابة)، وهي نكسة نوعية للخلف عشرة آلاف سنة.
ومجتمعات (الغابة الجديدة) لا ينفع فيها التغيير بالقوة، لأنه تغيير أشخاص بأشخاص، دون المساس بنظام الفكر الذي يهيمن عليه، ولهذا فإن الفرقاء كلهم من (ملة واحدة) هي ملة (الشرك) و(العضلات) و(الغابة) و(الديكتاتورية).
ـ وأخيراً في (علم السياسة) تعني الديموقراطية أن يقر الجميع أن لا يلجأ طرف إلى العنف وأن تطلق الحريات في (التفكير) و (التعبير) والتجمع والتحزب، ويحرم شيء واحد فقط هو استخدام القوة والسلاح والإكراه لفرض الأفكار.