شوف تشوف

الرئيسيةشوف تشوف

دكتاتور محترم

يشهد العالم احتضار الديمقراطية في مهدها، فها نحن نرى كيف أنه في بلاد الثورة الفرنسية والميثاق العالمي لحقوق الإنسان تقرر الحكومة الفرنسية الخميس اللجوء للمادة 49.3 من الدستور لتمرير مشروع قانون إصلاح نظام التقاعد، من دون عرضه على التصويت في الجمعية الوطنية (مجلس النواب)، وذلك ساعات بعد المصادقة عليه في مجلس الشيوخ، بعدما فشلت الحكومة في حشد الأغلبية في الجمعية الوطنية.

مقالات ذات صلة

ولعل ما يحدث في فرنسا يعطينا فكرة واضحة عن العالم الجديد الذي يتشكل أمامنا، عالم تستعمل فيه الحكومات

الديمقراطية كواجهة لكي تحكم بشكل استبدادي ضد إرادة ممثلي الشعب.

لقد فهم الغرب أن الديمقراطية ترف فكري يعم زمن الرخاء، أما عندما تأتي الأزمنة الرديئة فإن الطريقة الوحيدة للحكم هي الاستبداد. فالدولة الفرنسية تصرفت في ملف التقاعد باستبداد لأنها عاجزة عن الاعتراف أمام دافعي الضرائب بأن الإصلاح الذي تقترحه هو إملاء من إملاءات البنك الدولي وبدون تطبيقه لن تحصل فرنسا على القروض التي بفضلها لازال الموظفون الفرنسيون يتوصلون برواتبهم وتقاعدهم.

وهذا ما  أشار إليه قضاة مجلس الحسابات الذين ذكروا بالنفقات العمومية بفرنسا إلى وجود عجز عمومي بنسبة 5 في المائة ودين يمثل111 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وسجلوا ارتفاعا في النفقات العمومية بـ 3،5 في المائة سنة 2022.

وفي إسرائيل، التي يعتبرها الغرب الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، تعيش اليوم طبقتها السياسية، وخصوصا نظامها القضائي، تحت وقع الذهول بسبب التعيينات التي اتخذها نتانياهو والتي انتهت بوضع وزراء متطرفين في مناصب حساسة بعضهم كان ممنوعا من ولوج الجندية بسبب مواقفه العنصرية المتطرفة.

وها نحن نرى اليوم كيف أنه بواسطة الديمقراطية يتم تنزيل الدكتاتورية، فنتانياهو سيستعمل الديمقراطية لقص أجنحة السلطة القضائية وجعل السلطة التنفيذية تتحكم في السلطة القضائية لكي ينجو من دخول السجن بسبب كل الجرائم التي يجرجر خلفه.

وكم كان ساركوزي الرئيس الفرنسي السابق صادقا حين اعترف بالحقيقة مؤخرا وقال أمام لجنة للتقصي حول فقدان فرنسا للسيادة الطاقية أن القارة الأوروبية هي أفظع مكان بالعالم وفيها دارت الحروب الأكثر وحشية، ففي أوروبا تم إحراق اليهود وفي أوروبا دارت الحرب العالمية الأولى والثانية وفي أوروبا وقعت التصفية العرقية في البوسنة واليوم تدور رحى الحرب الروسية الأوكرانية.

لذلك فهذا الغرب ليس لديه دروس في الديمقراطية لكي يعطيها لنا لأنه هو نفسه اكتشف محدودية مفهوم الديمقراطية ونسبيته، وها هو يسقط عن وجهه القناع أخيرا ويتصرف كأي “دكتاتور محترم”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى