شوف تشوف

الرئيسيةالقانونية

دعوة إلى مأسسة قاضي الإجراءات بالمحاكم لما بعد كورونا 2.1

شريف الغيام أستاذ جامعي زائر وقاض بمحكمة الاستئناف بالحسيمة
تعد الإدارة القضائية أحد المقومات الرئيسية للعدالة، إن لم نقل إنها مشعل لإنارة درب كل راغب في صناعة قضاء ناجع، الشيء الذي دفع مؤسسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية إلى الانكباب على توفير معايير جد دقيقة لاختيار مسؤولين قضائيين، قاسمهم المشترك الكفاءة الخلاقة وامتلاك أدوات القيادة المتطلبة في أي مرفق قضائي، باعتباره أحد المداخل الأساسية في التنزيل المؤسساتي للسلطة القضائية المستقلة، التي لا يمكن أن تتأتى بمعزل عن الاستجابة للتطلعات الملكية السامية المتمخضة عن توصيات الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة.
فإذا كان تموقع الإدارة القضائية يفرض الاستجابة لكل التحديات التي من شأنها أن تعرقل السير العادي للمرفق القضائي بضمان حسن أدائه، فإنه من جهة أخرى يتطلب دون شك أن يوفر إجابات شافية لانتظارات كل مرتفقي القضاء، بما يتلاءم مع تطلعات القضاة أنفسهم وكل مساعدي القضاء ومدى أحقيتهم في أمن مرفقي دائم.
هذا الذي يوصلنا بشكل مباشر إلى مفهوم الحكامة القضائية، والتي حددها الدستور المغربي كمبادئ عامة للإدارة القضائية وذلك من خلال توافر:
المساواة بين المواطنين والمواطنات في الولوج إلى المرفق العمومي.
الإنصاف في تغطية التراب الوطني.
الاستمرارية في أداء الخدمات.
الجودة والشفافية والنزاهة.
المراقبة والتقييم.
المحاسبة والمسؤولية.
احترام القانون والحياد.
المصلحة العامة.
إلا أن الإيمان الراسخ لدى مؤسسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية بضرورة جعل خدمة المتقاضي خدمة لا يمكن تعطيلها إلا في الحدود الضيقة، التي يسمح فيها القانون، كحالة الطوارئ الصحية التي تعرفها بلادنا دون التوسع فيها بضمان سيرورة المرفق القضائي في بعض القضايا، وخاصة قضايا المعتقلين، مع مواكبة ذلك بالرفع من منسوب اليقظة لحماية المعتقلين وباقي مكونات أسرة العدالة، إما باعتماد تقنية التقاضي عن بعد ببعض المحاكم، أوعن طريق تأخير الملفات غير الجاهزة في غيبتهم، أو البت في القضايا الجاهزة التي لا تحتمل التأخير باعتبارها إجراءات احترازية تنم عن هاجس هذه المؤسسة الدستورية في الانخراط بقوة في محاربة انتشار هذا الوباء وتداعياته، ليس في الوقت الحاضر وفقط بل وحتى ما بعده.
الشيء الذي تم تجسيده من قبل الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، بإصداره مذكرة عدد 119/13 بتاريخ 14 أبريل 2020 بشأن تهييء الملفات لمرحلة ما بعد رفع حالة الطوارئ الصحية، مع الحث على إسهام الجميع ووفق مقاربة تشاركية نحو إعداد مسبق لتصور عملي حول التداعيات الآنية والمستقبلية لوباء فيروس كورونا.
الأمر الذي يجعل من التفاعل مع هذه المذكرة واجبا وعلى الجميع تحمل مسؤوليته عن طريق تقديم تصورات، قد تشكل حلولا مساعدة أو تدابير من شأنها تلافي ما قد تنتجه الجائحة من آثار سلبية على استقرار منسوب المرفق القضائي، وخاصة إذا ما استحضرنا أن الملفات الرائجة بالمحاكم قبل الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية لا تطرح أي إشكال، بل إن مدعاة القلق لمرحلة ما بعد رفع حالة الطوارئ الصحية، التي ستعرف فيها المحاكم لا محالة تضخما غير مسبوق في عدد الملفات التي سيتم تسجيلها بشكل غير معهود قد يصل إلى تسجيل مئات الملفات في اليوم الواحد بمختلف محاكم المملكة، الشيء الذي قد يؤدي إلى ضغط لم تعرفه العدالة المغربية من قبل.
لذلك كان التوجيه بالإعداد المسبق لهاته المرحلة صائبا، وأخذها بعين الاعتبار هاجسا سجل حضوره بقوة بالمذكرة المشار إليها أعلاه.
الشيء الذي يدعو لابتكار آليات جديدة ضامنة لقواعد السير العادي بالمحاكم بتلك الفترة عن طريق تسريع وتيرة البت فيها داخل آجال جد معقولة، تفاديا لهدر الزمن القضائي، دون استغراق الملفات المسجلة سالفا واستئثارها بزمن الملفات الجديدة، أي إن الملفات الجديدة يجب أن تحظى بعناية معقلنة لا تؤدي إلى تغييبها أو تعطيل البت فيها بدعوى وجود ملفات مسجلة سابقا، ودون أي مخاطرة بمصالح المتقاضين والدفاع.
أضف إلى ذلك أن عملية تجهيز الملفات كما هو معلوم ليست رهينة فقط بشخصية القاضي أو بفاعلية مؤسسة كتابة الضبط وباقي مساعدي القضاء، بل رهينة كذلك بإكراهات واقعية تارة وتشريعية تارة أخرى تصب في أغلبها في إشكالية التبليغ والتنفيذ، والتي أضحى التغلب عليها علامة تميز لأي مسؤول قضائي ناجع، باعتباره المشرف العام على منهجية سير عمل أي محكمة ووتيرة اشتغالها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى