يعتبر حفل «Met Gala» ، الذي يقام سنويا في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، من أضخم التظاهرات الفنية في العالم التي تعود أرباحها إلى صالح جمعيات خيرية وإنسانية داخل أمريكا وخارجها. يتخذ المشاهير من «الميت- غالا» فرصة لإبراز مواهبهم الفنية في مجالات الموضة والجمال.. إذ غالبا ما تبهرنا نجمات «هوليود» بإطلالاتهن الساحرة والجذابة والمبتكرة. لقد حظي الحفل النيويوركي الشهير بسمعة جيدة لدى المشاهد العالمي لمدة عقود، غير أن الوضع تغير فجأة هذا العام.. حيث واجه «الميت- غالا»، الذي أقيم بداية الصيف الماضي، انتقادات بسبب عدم اهتمامه بالقضايا العالمية الراهنة. فقد ارتدى العديد من المشاهير ملابس باهظة الثمن بينما يواجه العالم تحديات كبيرة، مثل الأوضاع المأساوية في غزة والسودان والعديد من البلدان الإفريقية التي تعيش تحت وطأة الحروب الأهلية والنزاعات المسلحة. إضافة إلى تغير المناخ والفقر والظلم الاجتماعي. ويزعم المنتقدون أن الإنفاق الباذخ والترف الذي ظهر في الحدث يتناقض بشكل حاد مع الصراعات التي يخوضها ملايين من البشر، مما دفع إلى جدالات حادة حول دور الموضة وثقافة المشاهير في معالجة المشاكل المجتمعية الملحة. وأثار هذا التناقض مناقشات حول المسؤولية الاجتماعية بين الشخصيات العامة.
غير أن ما أثار حفيظة المشاهدين حول العالم واستفز مشاعرهم ظهور مجموعة من المؤثرات والمؤثرين وهم يلعبون أدوار ما يسمى «cosplay»، حيث أطلت إحدى مشهورات «التيكتوك» الأمريكي، وتدعى هايلي بيلي، متقمصة دور الملكة الفرنسية ماري أنطوانيت بارتدائها لفستان سهرة مرصع بالأحجار الكريمة مع مكياج فاقع وباروكة شعر ضخمة، غير أن مظهر هايلي بيلي لم يكن النقطة التي أفاضت صبر المشاهد العالمي «الحاصل» في دوامة التضخم وارتفاع الأسعار وانعدام الأمن، بل إن رسالة المؤثرة التي وجهتها لكاميرا «الميت- غالا» كانت السبب المباشر في الانتقادات التي وُجهت لها وللحفل بشكل عام. حيث قالت المشهورة بطريقة ساخرة: «دعهم يأكلون الكعك»، في إشارة رمزية إلى الجملة الشهيرة التي تنسب لآخر ملكة عرفتها فرنسا. أثارت هذه الجملة جنون الشباب الأمريكي المتضامن مع أحداث غزة، مما جر على المؤثرة وعلى منظمي حفل نيويورك سيلا جارفا من الهجوم والانتقادات الحادة.
غالبا ما تُنسب عبارة «دعهم يأكلون الكعك» إلى ماري أنطوانيت، ومع ذلك تشير الأدلة التاريخية إلى أنها ربما لم تنطق بهذه الكلمات مطلقا. يُفسَّر هذا القول عادة على أنه رمز لعدم اكتراثها بل واستخفافها بمحنة الفقراء والاضطرابات الاجتماعية المتزايدة في فرنسا خلال أواخر القرن الثامن عشر.
الأمر الذي جعل ماري أنطوانيت هدفا للازدراء العام، ويرجع ذلك بالأساس إلى أسلوب حياتها الباذخ في تناقض صارخ مع الصراعات الاقتصادية التي كان يواجهها عامة الناس في فرنسا. وفي حين كانت معروفة بالفعل بحفلاتها الباذخة وإنفاقها الباذخ، فإن اقتباس «الكعكة» يوضح كيف كانت النخبة الفرنسية بعيدة عن الواقع المأساوي للشعب. يجوز لنا القول إن كعكة ماري أنطوانيت توضح سردا أعمق حول التفاوت الطبقي والانفصال بين النخب الأرستقراطية والجماهير المعذبة.
يُعتقد أن العبارة نشأت في سياق مختلف، ربما في إشارة إلى بيان سابق حول توفر الخبز، عندما تم إبلاغ أحد أعضاء البلاط بأن الفلاحين ليس لديهم خبز، واقترح عليهم أن يأكلوا «البريوش»، وهو نوع أغلى من الخبز. تعكس هذه الحكاية الشعور نفسه بالجهل في ما يتعلق بالظروف المزرية للطبقات الدنيا.
أشعلت الثورة الفرنسية استياءً واسع النطاق، مما أدى في نهاية المطاف إلى سقوط ماري أنطوانيت وزوجها. استمر هذا القول، سواء كان صحيحًا أم لا، كرمز قوي لعواقب الاستخفاف بمعاناة المعدمين، حيث يعمل كتذكير بكيفية أن الانفصال بين النخبة وعامة الناس يمكن أن يؤدي إلى تغيير مجتمعي هائل.
اقتفى أحد المؤثرين المغاربة أثر ملكة فرنسا وقام في أحد فيديوهاته الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي باستفزاز متابعيه، بعد أن وجه لهم خطابا بطعم التنمية البشرية البهلوانية، قائلا ما معناه إن الشباب المغربي أصبح كسولا واتكاليا ويحتاج إلى أن يبذل مجهودا مضاعفا إذا أراد تحقيق أحلامه وبلوغ المجد والثراء..
لنتأمل قليلا «ولد الفشوش» الذي وُلد وفي فمه ملعقة من ماس، ساعدته في الحصول على أجود أنواع التعليم، ومكنته من السفر حول العالم ومنحته فرصة لبناء علامته التجارية على وسائل التواصل الاجتماعي. «ولد الفشوش » لا يمل من مشاركة نصائح حول أسلوب الحياة وأقوال تحفيزية بشكل متكرر، وينشر مقاطع فيديو ينصح فيها المتابعين بـ«العمل بجدية أكبر» أو «الاستثمار بحكمة»، في حين يتجاهل الحواجز النظامية التي يواجهها ولاد الشعب المكدسين في الطاكسيات والطوبيسات المهترئة، والمستعبدين في المعامل والشركات الاستغلالية، إذ غالبا ما تفتقر وجهة نظر المؤثرين الأنطوانيين إلى الاعتراف بالتحديات التي تأتي مع الصراع المالي، مما يجعل نصائح «ولد الفشوش» تبدو غير مترابطة وغير مفيدة في نهاية المطاف لمغاربة «السميكَ». لطالما سمعنا في نشرات الأخبار والتقارير الاقتصادية كيف يسير المغرب بسرعتين، غير أن عصر «السوشال ميديا» جعلنا ندرك أن بلادنا تملك اسمين: المغرب و«موروكو».