دعنا نقفز من علو تسريحتي
لم يعد بيت القصيدة مأواي.. نحن مشغولان بجمع ما فقدناه قبل الآن.. اللحن الذي أعطى للشعر شجنا بنفس طويل..
اللحن الذي دندناه معا قاطعين على الليل غفوته.. ملقيين بدلائنا للغيم.. نحن اللذان نعرف رفعة السماء السابعة.. ونعمة الحصول على قلب مشترك..
لا أذكر صوتا يسيل ويبللني مثلما يفعل صوتك.. ما تقوله يا صاحب الأنف اللانهائي يحول تمثالا من رخام إلى وشاح مرهف من حرير..
ما تقوله يعين نايا على البكاء.. يعثّر حزنا في طريقه إلى المجد.. يُقيل فكرة سيئة من عملها.. يقيد الطالع السيئ إلى الأبد.. ويمنعه من اعتراض الجميلات..
لم يسبق أن عرفت أن مدينة تستطيع أن توقظ امرأة بالخفيف من النسائم.. تجبرها على الخروج إلى الشارع نهارا بلا مساحيق.. بلا كحل.. وبلا عطر.. ثقة في الحياة.. ثقة في الأمل..
لم أعرف أن واحة بإمكانها استخدام نخلة ميتة كمزمار.. تنفخ فيها الروح شفاعة للعشرة.. وامتنانا لظلها البارد..
لم أتخيل أن ومضة من نور.. مجرد ومضة.. قادرة على إنعاش ملاك نافق..
كنتَ أنت المدينة.. الواحة.. وغمزة النور تلك.. وأنا كل ما لا يمكن أن تمسكه قبضة بخلاف قبضتك..
لقد حان الوقت لتعرف أن الطريق خلفنا لم يعد متاحا.. لم تعد تناسبنا حياة الكهوف والخفافيش والظلمات..
لم يعد ممكنا اللجوء إلى الصفر.. حيث كانت الحياة تسير مجانبة لقلبينا المتعبين.. نراها من داخل صندوق زجاجي.. نصرخ ولا تلتفت.. تسير بحظوظنا الجيدة لمن نعرف أنهم غير مؤهلين لها..
خرجنا أخيرا من الصندوق..
هربنا منه محملين بالقصائد.. والموسيقى.. والحب الذي طيّر عقل الحروب المحتملة.. فلماذا نعود؟
لماذا نعود والطريق للتو بدأ يُظهر مفاتنه..؟
لماذا نجادل الله في فرصة متأخرة بخطوة..؟
لماذا نسدل النسيان على الحكاية.. ونحن نملك الضوء والمسرح وحنجرتان مطليتان بالشجن.. جاهزتان للغناء..!
هاك يدي.. أعطني مِبضعك.. كفاك من صنع الجراح.. قَطّب الجرح الأخير في شرفتي.. وابدأ من بعد غرزته الأخيرة..
جرب معي الصلاة على نفس قبلتي..
جرب أن ترتدي اسمي واخلع معطفك.. هات عنك معطفك..
جرب أن تحرك معي جبلا.. إن الجبال ليست عنيدة كما نظن..
جرب أن تكون عصفورا لمرة وقف على كتفي.. اترك لي مهمة أن أكون شجرة.. اترك لي مهمة إلهامك لحنا مناسبا.. لصباحات جديدة لم تستهلك بعد..
جرب أن تدير ظنك للشمال.. للغيمة التي نسينا أن نسحب منها الدلاء آخر مرة..
جرب أن تصبح دبوسا في شعري.. وشِعري..
جرب أن تمشي معي حافيا على العشب المبلل بذكريات أناس مزقونا.. وقضوا عبثا يزهقون الحب فينا..
تأرجح بجديلتيّ فوق البحر متى شئت.. لا تبحث عن مركب.. ولا مجداف.. ولا ظل لسفينة تأخذك إلى حيث تسقط الشمس مبتلة.. أخشى أن تغلبك طباع البحارة.. إن البحارة يا سيدي (يَعِدون ولا يعودون)..
دعنا نقفز معا من طرف أغنية أهديتنيها..
دعنا نقفز من علو تسريحتي.. ثم من علو همتك..!!