دروس قاسية من المستقلين
أسدل الستار بشكل رسمي على الانتخابات المهنية بالقطاع العام والخاص بالسيطرة المطلقة للوائح المستلقة على النتائج بنيلها 51 في المائة من مقاعد المندوبين، في حين تجمدت نتائج باقي المركزيات التقليدية في نسب لا تتجاوز 15 في المائة بالنسبة للاتحاد المغربي للشغل، و12 في المائة بالنسبة للاتحاد العام للشغالين و7 في المائة بالنسبة للكونفدرالية الديمقراطية للشغل و5 في المائة بالنسبة للاتحاد الوطني للشغل الذراع النقابي للحزب الحاكم الذي فشل في الحصول على العتبة التي تخوله صفة المركزية النقابية الأكثر تمثيلية.
ما تنطق به الأرقام المعلن علنها أن المستقلين تحولوا بمقتضى الصندوق الانتخابي للاستحقاقات النقابية إلى القوة النقابية الأولى بدون منازع، مبتعدين بشكل كبير عن المركزيات النقابية التقليدية المعروفة بتاريخها وبارتباطاتها الحزبية وانتشارها على المستوى الوطني.
من المفروض أن تدق مثل هذه النتيجة ناقوس الخطر داخل المكونات النقابية وتقود إلى إعادة ترتيب الأوراق في المشهد النقابي، كما ينبغي أن تفرز لدى النقابات التقليدية قراءة جديدة داخل صفوفها في ظل تطورات حثيثة تعرفها المنظومة الاجتماعية التي تعيش تحولات مهمة، ليس أقلها نظرة الموظف بالقطاع العام والعامل بالقطاع الخاص الذي لم يعد يرى بعين الرضا لدور النقابات في نقل انشغالاته والتعبيرعن همومه الاجتماعية والدفاع عن حقوقه المادية والمعنوية.
بدون شك أن سيطرة القوائم المستقلة على الانتخابات المهنية هو نوع من العقاب الجماعي للنقابات التي انشغلت بتدبير مصالحها وأزماتها الداخلية بدل الانشغال بقضايا الموظف والعامل، وهي في نفس الوقت رسالة احتجاجية قوية ضد منطق الوصاية السياسية للأحزاب التي حولت نقاباتها إلى دمى ورقية تحركها وتجمد حركاتها بحسب درجة حرارة الصراع السياسي، لذلك جاءت نتائج الانتخابات لتقول للنقابات كفوا عن لعب دور شاهد «ما شافشي حاجة» في المعارك الاجتماعية الحاسمة ضد القرارات الحكومية الماسة بحقوق الطبقة الشغيلة.
ومع ذلك تظل هيمنة المستقلين في الانتخابات المهنية ظاهرة غير صحية وتتناقض مع ما ينبغي أن يكون، بالنظر للتحولات الدستورية الجوهرية التي جعلت النقابات لأول مرة في تاريخ الدساتير تحظى بعناية خاصة من لدن واضع الدستور، وجعلها الممثل الوحيد للطبقة الشغيلة إلى جانب الغرف المهنية ومنظمات أرباب العمل. لكن يبدو أن الدستور وأشياء أخرى لم يساعدوا على ترميم هوة فقدان ثقة بين الطبقة الشغيلة والمركزيات النقابية، تمثلت ملامحها خلال الاستحقاقات الانتخابية في أشياء عدة منها، سيطرة اللوائح المستقلة، وتواضع نسبة المشاركة، وكلها مظاهر متوقعة بالنظر إلى حالة اللارضا والرفض للمنظومة النقابية التقليدية، المتهمة بدعم القرارات الحكومية المجحفة بدل مواجهتها.
أكيد أن النقابات بدأت بإنتاج قاموس التفسير والتبرير وتبرئة الذات وتقاذف الاِتهامات وتحميل المسؤوليات للآخر والقدر الإلهي والقوى غير المرئية، وهي مؤشرات لا معنى لها وتدل على أن النقابات العمالية لم تستوعب التحولات الخطيرة في وعي الموظف والعامل الذي حصل لديهما اِنطباع مفاده نزعة شبه اِستغناء عن النقابات لإدارة مصالحه، وما لم تستوعب النقابات الدرس من الاِنتخابات فإن النزيف الحاد في الجسم النقابي سيستمر ولربما سنجد أنفسنا ذات يوم أننا أمام انقراض للنقابات.