شوف تشوف

الرأيالرئيسيةرياضة

دروس إنريكي وتولوز

لماذا لا نتعلم من هذا الرجل.. لماذا لا نقتدي بهذا المدرب.. لماذا لا نسير على نهج لويس إنريكي وهو يقوم بأفضل عملية تسويق للاعب عز الدين أوناحي؟ لماذا لا نجلس بتواضع ونعيد مشاهدة ندوته الصحفية، عقب هزيمة منتخبه أمام المنتخب الوطني في بطولة كأس العالم؟ لماذا لا نريد أن نتعلم؟ لماذا نرفض أن نستفيد من هذه الدروس متعددة الأبعاد؟

لم يسأل المدرب السابق للمنتخب الإسباني عن دين اللاعب رقم ثمانية أو عرقه أو ثقافته أو عاداته الشخصية أو ميولاته الفكرية.. لم يبحث عن أثر السجود في جبهة عز الدين.. لم يتتبعه إلى حيث يختلي بنفسه ليستمع إلى الموسيقى أو ليناجي ربه.. لم يطلب تقريرا عن صيامه أو صلاته أو تبرعاته الخيرية.. بل رأى فيه لاعبا جيدا لا غير، وركز فقط على تحركاته في الملعب، على ركضه المتواصل.. على قتاليته في المباراة ورفضه الاستسلام..

لذلك قد يكون أوناحي مدينا لهذا الداهية العارف بعوالم رياضة كرة القدم، ممارسة وتأطيرا، بهذه الالتفاتة النادرة التي رفعت أسهمه في سوق الكرة.. لكن محترفي اقتناص المواهب الكروية مدينون أكثر للمدرب الإسباني، بعدما قدم أمامهم أكبر عملية «ماركوتينغ رياضي» في مونديال قطر، قبل أن يسير على خطاه باقي خبراء الرياضة العالمية، الذين أشادوا بموهبة اللاعب المغربي، لتتحرك بعد ذلك الهواتف وتتوالى العروض لمحاولة الفوز بخدمات هذه الجوهرة الكروية الفتية..

أما من الناحية الفلسفية والأخلاقية، فقد قدم إنريكي، لمن يريد أن يذهب أبعد من ذلك، درسا راقيا في التعامل مع الآخر، في إنصاف المخالف، في الاعتراف له بالقدرة على التفوق، في أن الاختلاف لا يفسد للكرة قضية مهما كانت النتيجة فوزا أو خسارة. وهي القيمة التي ما زلنا نفتقدها كثيرا في مواقفنا.

من المؤسف أننا لم نتعلم بعد التمييز بين حياة وقناعات ومعتقدات اللاعب وبين أدائه داخل الميدان. فما زالت تختلط لدينا المراوغات وضربات المقص والحركات البهلوانية للاعبين مع حياتهم الشخصية، إذ لا نميز بين الجانب العمومي وتحقيق الفرجة المطلوبة وما يدخل في نطاق الخصوصية المحفوظة قانونا وعرفا.. لذلك عمد البعض، بحسن نية ربما، إلى نشر خبر حادثة سير للاعب أوناحي دون التأكد من صحته، ثم حاول آخرون الذهاب بعيدا للتفتيش عن ما يفسد هذه الفرحة العارمة بإنجاز المنتخب المغربي.

أما الأخطر فهو ما تعرض له اللاعب زكرياء أبو خلال، إذ أبى بعض أصحاب الآراء المحافظة على «خروب بلادنا» إلا أن يظهروا للجميع مدى تشبثهم بعادات حليمة القديمة.. لم ينظر هؤلاء إلى كفاءة اللاعب أبو خلال وإلى أدائه في الملعب.. لم ينظروا إلى هدف الأمان الذي سجله في تلك الزاوية من مرمى العملاق كورتوا في مباراة الأسود ضد الشياطين الحمر..

والغريب أن هذا اللاعب الدولي، الذي فضل اللعب للمغرب بدل هولندا، حيث تلقى تكوينه الرياضي وتألق حتى بات مطلوبا لمنتخب الطواحين.. سيجد مؤازرة قوية بفرنسا من نادي تولوز، الذي رفض المساس بسمعة لاعبه واستنكر الهجوم عليه، مشيدا بحسن سلوكه ومهارته.. وذلك بعدما اجتهد بعض من يتقاسمون معه الانتماء إلى تربة هذا الوطن، في كيل الاتهامات له بالسعي لـ«استقطاب أكبر عدد من المتتبعين إلى توجهه والتيار الديني الذي يتبعه»، وتحدثوا عن خطر اختراق المنتخب، وكأن الأمر يتعلق بخلية تنظيم سري وليس بجهاز مفتوح أمام جميع المواهب المغربية في هذه البلاد التي تستمد قوتها من تنوعها واختلاف مشاربها.

ولحسن الحظ أن مثل هذه الآراء تبقى معزولة، سيما بعد تدخل الجامعة الملكية لكرة القدم والمجلس الوطني للصحافة، في الوقت المناسب، قبل أن يتحول هذا التجاوز غير المقبول إلى كرة نار.. ويحدث كل هذا في وقت يدعو بعض الصحافيين والمتتبعين النبهاء إلى التركيز على استثمار الإنجاز الكروي التاريخي للأسود واستجلاء ما حدث في قطر للبناء عليه من أجل المستقبل.

محمد منضوري

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى