شوف تشوف

الافتتاحية

درس ملكي

بعد أقل من سنتين على تعيينه رئيسا لمجلس المنافسة أعفى الملك محمد السادس إدريس الكراوي من منصبه، وذلك على خلفية الجدل والخلافات الداخلية التي رافقت التقرير المنجز والخاص بالتوافقات المحتملة في سوق المحروقات. ويأتي هذا القرار الملكي بعد رفع تقرير اللجنة الخاصة المكلفة من قبل رئيس الدولة والساهر على حسن سير المؤسسات الدستورية بإجراء التحريات اللازمة، التي أوضحت وضعية الارتباك الناجمة عن القرارات المتضاربة لمجلس المنافسة، بشأن مسألة وجود توافقات محتملة في قطاع المحروقات، الواردة في المذكرات المتباينة، التي تم رفعها للملك في 23 و28 يوليوز 2020 الماضي، حيث خلصت إلى أن مسار معالجة هذه القضية شابته العديد من المخالفات المسطرية، ووقفت على تدهور ملحوظ في مناخ المداولات بالمجلس.
هذا درس مهم قدمه جلالة الملك في تنزيل مبادئ الدستور لا سيما ربط المسؤولية بالمحاسبة، التي ما فتئ الملك يشدد على إعمالها في كل مناصب المسؤولية مهما كان حجمها ومهما كان مصدرها تعيينية أم انتخابية، بل إنه طالب في إحدى خطبه، بـ «التشديد على ضرورة التطبيق الصارم لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل الأول من الدستور، التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة. لقد حان الوقت للتفعيل الكامل لهذا المبدأ».
بلاغ الديوان الملكي الذي صيغ بعناية فائقة كان واضحا وصارما في ربط المسؤولية بالمحاسبة التي تعني عدم إفلات المسؤولين في مؤسسات دستورية من المحاسبة عند ثبوت تورط أحدهم في تقصير أو اختلالات مسطرية، لذلك لم يتم إصدار القرار إلا بعد الاستنتاجات الدقيقة خلصت إليها لجنة ملكية اعتكفت طيلة ثمانية أشهر على دراسة احترام مساطر اتخاذ القرار داخل مجلس المنافسة.
باختصار شديد فإن الدرس الملكي الأخير هو رسالة للجميع، بإعادة الحياة إلى نص دستوري يربط المسؤولية بالمحاسبة، وأن هذا المبدأ الأصيل في الدول الديمقراطية لم يتم تضمينه داخل الوثيقة الدستورية ليبقى منتوجا معروضا لتزيين الواجهة الدستورية، بل ليتحول إلى سيف مسلط على رقاب كل من يتحمل المسؤولية دون تمييز.
للأسف لا زال هذا المبدأ يعيش حالة من التجميد داخل الحكومة والبرلمان، ويكفي أن نعود للصراعات السياسوية بين الأغلبية الحكومية التي تسببت في إقبار مشروع قانون الإثراء غير المشروع لأكثر من خمس سنوات، ليتأكد الجميع أن عباءة ربط المسؤولية بالمحاسبة هي أكبر من مقاسات الأحزاب والحكومة والبرلمان والنقابات، لأن هذا المبدأ الدستوري لا يخدم مصالحها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى