درس في الزلازل
هناك فرق شاسع بين الترويع والإخبار. الأول تمارسه المواقع الإلكترونية بكثير من الإخلاص والثاني بحر متلاطم يخوضه الغيورون على المهنة.
الترويع أن تكتب خبرا، أو أخبارا عن الزلزال الأخير الذي عرفته مدينة أكادير، وتقول إن الأرض اهتزت تحت أقدام الناس وتستعين بمعجم من الوعيد والسعير والله أعلم ماذا أيضا.
قمة النذالة أن يتم استغلال حدث مماثل للحصول على أكبر عدد من الزوار. بعض المواقع المغربية تتمنى أن يحدث زلزال كل ثانية، وربما قد تستعين في الصور المرافقة للخبر بمناظر من فيلم «نهاية العالم» الشهير.
يجب أن تعلموا أولا أن الأرض تتحرك باستمرار، وهذا الأمر طبيعي. وإذا جربتم الولوج إلى المواقع المتخصصة في رصد تحركات الأرض، فستخلصون إلى أننا نعيش دائما مع زلزال لا يتوقف. الأرض تتحرك والقشرة الأرضية تسبح فوق بركة كبيرة من الحمم، ولهذا السبب تتحرك في كل اتجاه.. فقط عندما تلتقي قشرتان مع بعضهما البعض، يحدث ارتجاج.
من الطريف فعلا أن نتساءل لماذا لا يصاب الناس بدوار الأرض، على غرار «دوار البحر»، ما دامت القشرة الأرضية التي نتصارع فوقها تسبح تماما مثل سفينة فوق البحر.
أول أمس، خرج الناس مرعوبين خوفا من الزلزال، والذين عاشوا ويلات زلزال سنة 1960، الذي تزامن مع آخر يوم من فبراير ذات سنة كبيسة، يعرفون إلى أي حد خطورة الزلزال. لكن أن يلعب الهواة بالعناوين ويحولوا أمرا إنسانيا إلى أداة للربح البئيس، فهذا أمر يجب أن يعاد فيه النظر.
سامح الله وزير الاتصال مصطفى الخلفي، فهو وحده من جعل هذا النوع من الصحافة يجد طريقه نحو الانتعاش، عندما اعترف بكل من يحمل حاسوبا فوق ظهره ليمنحه شرعية ممارسة مهنة الصحافة، والنتيجة كما ترون، ترويع للناس ومحاولة للركوب على الخوف الإنساني من الكوارث الطبيعية.
الأرض معرضة في كل لحظة للزلزال، وهذا الأمر ليس خبرا. ربما الخبر ألا تتحرك الأرض وتتجمد القشرة الأرضية في مكانها. وحتى لا نضيع وقتنا في أصل الأنواع والأجناس الصحفية، دعونا نمر إلى واقعة طريفة.
عندما اهتزت الأرض سنة 1960، طلب أحد الفلاحين البسطاء من مهندس فرنسي أن يشرح له كيف تحدث الزلازل. المهندس أراد أن يبسط العملية للفلاح البسيط الذي لا يعرف بالضرورة أي شيء لا عن دوران الأرض ولا عن وجود القشرة الأرضية. أحضر المهندس بعض الألواح الخشبية ورماها في المسبح لتطفو فوق الماء وتلامس بعضها البعض. أخذ عصا طويلة وبدأ يشير إلى لوح صغير ويقول بعربية ركيكة: «هاهي أكادير..» ويضرب القطعة الخشبية، أو «أكادير»، بطرف العصا لتتحرك بعنف فوق الماء، ويتابع: «زلزال.. زلزال». وعندها ابتسم الفلاح البسيط لأنه فهم كيف تحدث الزلازل بطريقة مبسطة. لكنه ما إن استوعب الفكرة حتى بدأ في استفراغ ما في بطنه، وكان قد تناول الغداء للتو. وعندما سأله صديق للمهندس الفرنسي ما إن كان مريضا، أخبره أنه يشعر بـ«الدوخة» كلما تذكر أنه يسكن فوق قطعة خشب صغيرة تتحرك فوق الماء.
قبل أكادير تحركت الحسيمة، وقبلهما تحركت مدن كثيرة أخرى في المغرب، وفي هذه اللحظة تتحرك بقاع كثيرة حول العالم وباستمرار، وفي كل مرة يبدأ هواة الاصطياد في الماء العكر باستعارة عناوين الرعب، للركوب على ظاهرة طبيعية جدا. صحيح الكوارث تقع، لكن أغلبها تحدث بدون مقدمات. لا أحد يملك ضمانات في الأخير لتجنب ما يلحق العالم كله من كوارث طبيعية من فيضانات وزلازل وانجراف للتربة، وهذا كله طبيعي لأننا نسكن فوق قشرة أرضية لا يمثل سمكها شيئا مقارنة مع شعاع الكرة الأرضية عموما.
لو أن الذين يمارسون الترويع اليوم ضد البسطاء في هذا البلد جربوا أن ينظروا إلى بحر أكادير، شديد الزرقة، بتأمل، لفهموا ربما أن قدر تلك المدينة أن تجاور المحيط، وتلعب معه بين الفينة والأخرى، تماما كما حرك صاحبنا قطعة خشب فوق المسبح.