شوف تشوف

الرأي

درس في التربية الوطنية

حسن البصري

تبرع مدرب الرجاء الرياضي لكرة القدم المقال بمبلغ 20 مليون سنتيم لفائدة مدرسة النادي، واختار المدرب التونسي لسعد الشابي توديع فريقه بصدقة جارية تحسب في ميزان حسناته.

سألت لسعد الشابي عن الحكمة من هذه المبادرة الإنسانية، وكيف لمدرب يقال من منصبه وبدل الاحتجاج على القرار ونشر غسيل الفريق في سطوح وشرفات المواقع الإلكترونية، يعلن تبرعه براتبه للأطفال الحالمين بحمل قميص الرجاء؟

أجاب المدرب التونسي بنبرة حزينة: «ذات يوم قررت أن أتناول وجبة مع لاعبي الرجاء الذين يقيمون في مركز التكوين، حزنت لفقر الوجبات وغياب الماء الكافي لرياضيين في طور بناء شخصيتهم، ظل المشهد يداهمني كلما وطأت قدماي الملعب، وقررت التبرع براتب شهري حتى يكتمل حلم النشء بحياة الاحتراف».

ليس المدرب التونسي هو الوحيد الذي اصطف في طابور المدربين المحسنين، فقد سبقه لفعل الخير المدرب الفرنسي هنري ميشيل الذي تبرع بعد الانفصال عن الرجاء بشيك لفائدة مدرسة الفريق، وغادر النادي من الباب الكبير.

عندما تقرر إقالة المدرب الروماني مارداريسكو من تدريب المنتخب المغربي في نهاية السبعينات، كتب رسالة إلى جامعة بلمجدوب، أوصى فيها بمنح متأخراته المالية للاعب دولي يعيش على حافة الخصاص، وفي طريقه إلى المطار رفقة الصحافي نجيب السالمي، ذرف دموع الفراق وأوصى بأثاث شقته لحارس الملعب.

أما الأوكراني سيباستيان يوري، مدرب الوداد الرياضي الأسبق، فقد قضى أيامه الأخيرة فاعلا للخير، حيث تعهد بعلاج لاعب سقط من مفكرة طبيب الفريق. تحمل الرجل فاتورة الدواء والعلاج، وتحول إلى بطاقة «الرميد» لمن أهدر فرصة التغطية الصحية، وانتهى الأمر بيوري هائما على وجهه في شوارع الدار البيضاء.

ليس كل المدربين الأجانب بمثل هذه «السخاوة»، فكثير منهم لهم دراية واسعة في استنزاف مالية الفرق المغربية، يجيدون وضع خطط الاغتناء بدل التخطيط لكسب المباريات، وغالبيتهم يقضون ساعات في غرفهم يراجعون الحسابات ويعيدون قراءة بند تعويضات الفصل الذي يحمي من تقلبات أحوال البطولة.

يذكر أبناء دكالة المدرب الفرنسي هوبير فيلود الذي عرف بلقب «ميلود»، حيث كان يضع على صدر قميصه صور ضحايا المدرجات ويتقاسم مع الجمهور أحزان الرحيل، ومع مرور الوقت تبين أن الرجل يريد كسب الدنيا والآخرة ذهابا وإيابا. بينما اختار المدرب فيليب تروسي حين تعاقد مع الفتح الرياضي التبرع بالدم، وانتظر ساعة كاملة حضور فيلق صحفي حتى يكتمل مشهد الإحسان الدموي.

لكن عددا كبيرا من المدربين المغاربة بادروا إلى مقاضاة أنديتهم، ورفضوا التنازل عن جزء من مستحقاتهم ولو لفائدة ضيق الحال في الجائحة، ومنهم كرس مبدأ صدقة جارية في حسابه الجاري أولى.

يمكن الرجوع إلى ملفات غرفة النزاعات بالجامعة الملكية المغربية لكرة القدم للوقوف على حجم العقوق الرياضي الذي يضرب أنديتنا، حيث يستميت أبناء الفريق في جر المسؤولين إلى القضاء، وينسون في لحظة شقاق حليبا شربوه من ثدي الفريق الأم.

كانت مبادرة المدرب التونسي لسعد الشابي درسا في الأخلاق والتربية الوطنية، وصفعة على قفا أكثر من مدرب مغربي آمن بأن الشوط الأول في كل مباراة هو شوط اللاعبين، والشوط الثاني شوط المدربين، والثالث شوط المفوضين القضائيين.

لهذا احتفت جماهير الرجاء بمدربها التونسي، وأصرت على أن يرتدي الزي التقليدي المغربي وكأنها تمنحه جنسية فخرية، في مشهد يفيض بمشاعر الحب والانتماء.

صحيح أن حقيبة المدرب تكون جاهزة لسفر جديد، وأن العقود لا تصمد أمام غضب المدرجات، لذا فالتعاقد الوحيد الذي يمنح الاستقرار لخمس سنوات قابلة للتجديد، هو عقد البرلماني الذي لا تسقطه الهزائم ولا التعادلات، ولا يساءل عن ضعف الأداء، أو احتقان مستودع الملابس، أو مرأب السيارات.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى