درس المسبح الكبير
حصد فيديو الشاب المتهور، وعديم الذوق، الذي ارتمى بدراجته الهوائية في مياه مسبح الرباط الكبير وسط الأطفال، مئات الآلاف من المشاهدات، ومثلها من علامات الاستهجان والمطالب بمحاكمته على فعلته مثلما حدث مع الشابين اللذين استحما في حافلة عمومية بأكادير.
ذلك الشاب يعتقد أنه بسلوكه الخطير حقق انتصارات جعلته يشعر من خلال ذلك بالمتعة والبطولة أمام أقرانه، فيما سلوك هذا الشاب لا يخرج عن سلوكيات الكثير من الأشخاص المتعطشين للفت الانتباه والمرضى بعقدة حب الظهور حتى ولو تطلب ذلك تعريض حياتهم وحياة غيرهم للخطر.
لكن حادثة ارتماء الشاب بدراجته في المسبح المدشن حديثا في إطار مشروع «الرباط عاصمة الأنوار» مؤلم جدا، لأنه يكشف عن مشكلة كبيرة وعميقة وخطيرة داخل المجتمع، وهي أن هناك هوة واسعة بين رغبة الدولة والمؤسسات العمومية في الرقي بالخدمات الترفيهية والاجتماعية المقدمة للمواطنين، وبين مستوى وعي بعض هؤلاء الذين لا يدركون أن الفضاءات الترفيهية العمومية هي أمكنة عامة وعمومية يجب احترام مرتاديها والحفاظ على رونقها ومكوناتها.
فالمشهد يكشف عن وجه التخلف الحضاري ودرجة تردي سلوكنا المجتمعي وانعدام احترام مؤسسات الدولة وأحقية الآخرين في الاستفادة منها دون الإضرار بها.
حادثة المسبح الكبير تعكس سلوكنا الفوضوي وهذا ليس استثناء، بل هي انعكاس لما نمارسه ونراه يومياً في شوارعنا ومؤسساتنا حتى باتت الفوضوية هي القانون.
للأسف، بعض المواطنين يعتقدون أن تخريب مؤسسات والإضرار بها هو انتقام من أملاك للدولة، وينسون أن تلك المرافق عامة وشيدت من أموال دافعي الضرائب لتحقيق تسهيلات حياتية للمواطن وفتح نوافذ صغيرة للتنفيس من الضغط والترويح عن النفس.
لذلك، فمثل هاته السلوكات الشاذة تظهر الهوة الكبيرة جدا بين المواطن وما يستحقه من خدمات وتقديرات تُقدم له (إذا قدمت)، فهو عندما يخرب المرافق العامة ويستهتر بها فهو يعبر عن عدوانيته تجاه خدمات عمومية .
لا جدال في أن عددا كبيرا من المواطنين هم ضحايا سياسات عمومية فاشلة تسببت في إنتاج جيل من الضحايا الذي يمكن أن تنتظر منه كل الحماقات، بما فيها الاستحمام في حافلة نقل عمومية، إلا أن هذا ليس عذرا لتبرير ما يجري في شوارعنا من خروقات فاضحة للسلوك ومن استهتار بالمنشآت العامة.
فالمسؤولية، في مثل هاته الممارسات، تقع على ذلك المواطن الذي وصلت جرأته إلى هذا الحد المخيف، فليس مطلوبا ولا مفروضا وضع رجل حراسة أو شرطي في كل مكان، فهناك سلوكيات طبيعية تتوافق مع كوننا بشرا نعي ونعقل ولسنا في حاجة إلى عصا الراعي يهش بها في كل حين.
ما نراه من انفلات سلوكي مقلق في الفضاءات العامة ليس سوى النتيجة المباشرة لفشل الأسرة والمدرسة العمومية والإعلام العمومي في فرض الحد الأدنى من أصول التربية على الأبناء.
يبدو أن هذه المؤسسات قدمت استقالتها وتركت للشارع الصلاحية الكاملة لتربية الأجيال، والنتيجة هي ما نرى، والقادم أسوأ.