شوف تشوف

شوف تشوف

دخول الصحة

يتضح الآن أن رسالة الملك للمشاركين في المؤتمر الأوربي العربي بشرم الشيخ كانت بمثابة قنبلة حقيقية.
فيبدو أن حديث الملك حول التدخل الخارجي في الشأن الداخلي للدول العربية، وكون ذلك السبب في المشاكل الإقليمية التي تعيشها هذه الدول، لم يرق لبعضهم.
ولعل الفقرة التي كانت أشد وقعا على مسامع المعنيين بها هي تلك التي قال فيها الملك إن “ما يواجهه العالم العربي من تحديات خطيرة تهدد أمنه واستقراره راجع أحيانا إلى سياسات وسلوكيات بعض بلدانه تجاه البعض الآخر، وفي هذا الصدد نشدد على أن القضاء على هذا التهديد يظل رهينا بالالتزام بمبادئ حسن الجوار، واحترام السيادة الوطنية للدول ووحدتها الترابية، والتوقف والامتناع عن التدخل في شؤونها الداخلية”.
وقبل ذلك بأسابيع قال سعد الدين العثماني أمام شبيبة حزبه إن هناك من يحاول أن يضر بأمن البلد، واستقراره وأن يضر بقضاياه الكبرى الوطنية، خصوصا قضية الوحدة الترابية، مضيفا أن هناك غيرة على المستوى الإقليمي والدولي من جاذبية المغرب للاستثمارات وتموقعه السياسي.
واضح إذن أن محاولة بعض الدول العربية اللعب في ملف الصحراء ترتب عنها غضب في أعلى مستويات الدولة، مما أصبح لزاما معه إعادة تذكير الأشقاء بالخطوط الحمراء التي لا يجب تخطيها في تعاملهم مع المغرب.
ولو أن الغيرة والحسد توقفا عند حدود الاستثمارات الصناعية لهان الأمر بل إنهما وصلا حتى للإنتاج السينمائي، وقد سمعنا ما قاله الممثل المصري حسين فهمي عندما هاجم صناع السينما العالمية بسبب اختيارهم المغرب بدلاً من مصر لتصوير إنتاجاتهم الضخمة.
وبلغت الوقاحة بالممثل فهمي، الذي شبع “بصطيلة” في مهرجانات المغرب، حدا قال معه في برنامج “صاحبة السعادة” الذي تقدمه الممثلة إسعاد يونس على شاشة قناة “سي بي سي” إن “مليارات من الدولارات تترمي في المغرب، إحنا السينما إحنا الأساس، لازم يبقى ده عندنا”.
لنكن منصفين وعادلين وموضوعيين، ليست هناك دولة عربية عانت أكثر مما عانى المغرب من التدخل الأجنبي في شؤونه الداخلية، وليس اليوم فقط بل منذ استقلاله.
وإذا كانت هناك خلاصة يمكن أن نخرج بها من تقرير الخمسينية، الذي كان أعده المستشار الراحل مزيان بلفقيه، فهي أن صراع اليسار بكل فصائله مع القصر ضيع على المغرب أكثر من ثلاثة عقود.
ولعله من الكذب على التاريخ أن يحاول بعضهم اليوم تقديم هذا الصراع الطويل والشرس بين الحسن الثاني ومعارضيه اليساريين على هيئة صراع كان من أجل تمكين المجتمع المغربي من حياة الرفاهية. فقد أظهرت التجربة أن أغلب هؤلاء اليساريين، مع استثناءات قليلة طبعا، كانوا يعارضون الحسن الثاني بإيعاز من أنظمة وزعماء دول عربية ويطالبون بتغيير النظام طمعا في مقاعد السلطة. فداخل كل زعيم من هؤلاء الزعماء كان يختفي دكتاتور صغير يسعى إلى أن ينفرد بالحكم لكي ينتقم من خصومه.
وفي شريط تاريخي نادر يتحدث بعض عملاء الموساد حول ظروف اختفاء بنبركة وحكى أحدهم أن جمال عبد الناصر كان يخطط لاغتيال الحسن الثاني من أجل أن يكون بنبركة زعيما في المغرب ضمن مخطط الأممية الاشتراكية.
وبعد فشل هذا المشروع واختفاء بنبركة استمر التآمر على النظام المغربي من الخارج وآوت الجزائر وليبيا وسوريا المنشقين ودربتهم على السلاح، وكان اليوسفي والفقيه البصري ورفاقهم يهاجمون النظام الملكي من إذاعة القذافي والجزائر بشكل يومي.
وكأي ملك تعرض لمحاولات متكررة لتصفيته وتصفية عائلته، تحول الحسن الثاني من ملك يبحث عن بناء دولته إلى ملك يبحث عن حماية نفسه وعرشه من الوقوع بين أيدي معارضيه الشرسين، الذين وصل بهم حقدهم على النظام إلى حد وضع أيديهم في أيدي خصوم المغرب في الجزائر وليبيا وسوريا وتسلموا من أنظمتها الحقائب المملوءة بالأموال، ولجؤوا إلى حضنها عندما حرك الحسن الثاني ضدهم آلة القمع الجهنمية للدولة.
هكذا، ظهرت المعتقلات السرية والعلنية وغيرها من المعتقلات الرهيبة التي قضى بها آلاف المناضلين والمظلومين الذين لا علاقة لهم بالنضال زهرة شبابهم، في الوقت الذي كان الزعماء يعيشون في الخارج مدللين من طرف أنظمة الدول التي احتضنتهم، وبدأت مرحلة طويلة من الصراع بين اليساريين والحسن الثاني، لم تكن كلها عفوية ولا بريئة ولا من أجل سواد عيون المغاربة.
فاليساريون كانوا يشتغلون لحساب أجندة أممية اشتراكية عالمية تابعة للمعسكر الشرقي، وداخل عالمهم كانت تتصارع التيارات الشيوعية والراديكالية، وهي الصراعات التي استمرت بينهم حتى وهم داخل السجون والمعتقلات والمنافي.
وعندما فهم الباحثون عن السلطة أن الطريقة الوحيدة لتذوق عسلها هو التخلي عن أحلامهم الثورية وتغيير البندقية من كتف إلى كتف، جلس قادتهم إلى طاولة المفاوضات مع الدولة وغادر مناضلوهم السجون وعادوا من المنافي البعيدة وتسلموا الحقائب والكراسي التي كانوا يحلمون دائما بوضع مؤخراتهم فوقها، واستطاعوا أخيرا أن يمارسوا سلطة «الحكم» داخل نطاق المؤسسات الرسمية التي أسندت إليهم مسؤولية تسييرها.
فقال البصري قولته الشهيرة “كون كلتو لينا من اللول أنكم كنتو باغين غي المناصب كون عطيناها ليكم، لاش ضيعتو لينا ثلاثين عام على والو”.
فعاد اليوسفي من مدينة «كان» ليقود حكومة التناوب المتوافق عليها مع الحسن الثاني، وبدأ الاتحاديون يدخلون دواوين وزارات الحسن الثاني تباعا بعد أن كان بعضهم قد مر من سجونه.
ولو أردنا أن نعدد أسماء كل المعارضين والانقلابيين الذين قلبوا معاطفهم ونسوا كل الشعارات التي كانوا يرفعونها لإخافة النظام، لحساب معسكرات الشرق والغرب، لاحتجنا إلى مجلدات كاملة، ومنهم من يوجدون اليوم على رأس مؤسسات دستورية ومن مروا من السفارات والوزارات.
وكما كان في الماضي عملاء تواطؤوا مع دول أجنبية وجارة ضد مصلحة الوطن واستقراره، فهناك اليوم أيضا عملاء يقومون بالشيء نفسه لمصلحة قوى أجنبية عربية وغربية.
ورسالة الملك كانت واضحة، فقد قال ما معناه بالعربية تاعرابت “اللي عندو شي بلاد يديها فيها ويقيل عليه بلادات الناس”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى