دخل الأزهر وتزوج بفاسية وضعت بصمتها على كتاباته
حسن البصري
في 13 ماي 1963 أوردت قصاصة أخبار صادرة عن وكالة الأنباء الفرنسية من الرباط، خبر وفاة الروائي الفرنسي فرانسوا بونجان، عن سن يقارب الثمانين عاما بعد معاناة طويلة مع المرض. وفي اليوم الموالي لوفاة فرانسوا نعاه طلبته في أكثر من مؤسسة تعليمية بالمغرب في فاس ومراكش ثم الرباط، ووقفوا دقيقة صمت حدادا على أستاذ أصر على أن يموت في المغرب رافضا العديد من محاولات نقله إلى فرنسا قصد العلاج.
عاش الرجل أيامه الأخيرة في شبه عزلة، كان يريد أن يناجي نفسه وأن يعرض مساره وحين كان يزوره أقرب الأصدقاء يردد لازمته: «جف القلم لكن المداد يصمد الإسمنت المسلح». قال عنه رفيقه في درب الإبداع الأدبي إن فرانسوا هو أكثرنا فهما للعقيدة الإسلامية. «كانت له قدرة خارقة على تفكيك المعتقدات وتحويلها إلى مادة إبداعية، من يقرأ أعماله يفهم جيدا أسرار العالم العربي الإسلامي».
من يعرف سر هذه الحظوة التي تميز بها الكاتب سيقف عند دور زوجته المسلمة في تقريبه من الديانة الإسلامية، وقدرته على نسج علاقات مودة مع مكونات المجتمع المغربي الذي أصبح جزءا لا يتجزأ منه.
قدرة الرجل على الاختراق فاقت الحياة اليومية للمغاربة إلى علاقاته مع كبار الساسة الفرنسيين والمغاربة، لاسيما بعد أن أصبح كتابه «التقدير المغربي» متداولا في المنتديات الفكرية.
وبالعودة إلى مسار فرانسوا بونجان، فقد ولد في مدينة ليون الفرنسية عام 1884، داخل أسرة احترفت الصيدلة، لكنه اختار التدريس في مدرسة المعلمين بنيس، كتب أول أعماله في السجن حين كان معتقلا بألمانيا أثناء الحرب العالمية الأولى، «قصة اثنتي عشرة ساعة»، والتي كتب تقديمها رومان رولان. وبعد انتهاء الحرب غادر صوب مصر، حيث عين مدرسا للأدب الفرنسي بمدرسة تكوين الأساتذة المدرسين في القاهرة بمصر التي أقام فيها خمس سنوات وشغف بها كثيرا. هناك نسج فرانسوا علاقة متينة مع المثقف المصري أحمد نصيف الذي فتح له مجال الإسلام وأبواب الأزهر.
عاد فرانسوا إلى فرنسا بعد انتهاء مدة تعاقده، وعاش سنوات بين سوريا والجزائر قبل أن يستقر بالمغرب، حيث تفرغ للكتابة والتدريس. ومن أعماله: «منصور قصة طفل مصري»، و«منصور في الأزهر» و«الشيخ عبدو المصري»، ثم «الثقة في فتاة ليل»، وهي مؤلفات كتبها وهو يشم نسائم النيل.
خلال مقامه في المغرب تحول فرانسوا إلى مراسل لبعض المجلات الأدبية الفرنسية، كما حرص على التواجد بعد تقاعده في كثير من المنتديات السياسية المغاربية بالخصوص، وألف كتابه «الروح المغربية»، لكن، وعلى امتداد مساره الفكري، ظلت جائزة جريدة النهضة الأقرب إلى قلبه حيث منحته عام 1930 جائزتها الكبرى، ويمكن القول إن تاريخ الأدب المغربي بلغة موليير بدأ مع فرانسوا لكن بدعم وتوجيه من زوجته المغربية.
ظل بونجان في سنواته الأخيرة حريصا على التجول في أزقة المدينة القديمة لفاس، مرتديا جلبابه التقليدي و«بلغته»، وحين كان العياء يتسلل إلى جسده يجلس في مقهى شعبية وهو يتحدث العربية بطلاقة كأي مواطن مغربي، كيف لا وهو متزوج من فاسية جعلته يعشق المغرب ويستمتع بطقوسه وعادات أهله، إلى أن قال عنه الفرنسيون: «لقد انضم فرانسوا لصفوف الأهالي».