دبلوماسية النفَس الثاني
خلال أسبوع واحد رفعت الدبلوماسية المغربية من منسوب تحركاتها وإيقاع اتصالاتها متنقلة بين صربيا وإيطاليا وألمانيا، لتعزيز فرص التقارب الاقتصادي والدبلوماسي واستثمار ذلك في دعم ملف وحدتنا الترابية باعتباره النظارة التي ينظر بها المغرب لتحالفاته الجيوستراتيجية وشراكاته الاقتصادية.
وما يجعل التحرك المغربي الأوروبي لافتاً، هو تزامنه والأزمة الدبلوماسية مع فرنسا التي أثارتها عجرفة الرئيس إيمانويل ماكرون وسوء إدارته للعلاقات التقليدية بين الرباط وباريس، حيث تأكدت الدبلوماسية المغربية أن الرئيس الحالي لفرنسا أضعف موقفها وتأثيرها الدولي، مما دفع سياستنا الخارجية إلى توجيه تركيزها إلى عواصم أوروبية أخرى تحظى بنفوذ متصاعد.
سيقول قائل إنه ليس هناك من جديد في مواقف الدول التي عرفت تحركا دبلوماسيا في الأيام الأخيرة وهذا أمر صحيح، لكن الدبلوماسية ليست فقط كسب مواقف جديدة بل كذلك الحفاظ على المكتسبات الدبلوماسية وترصيدها وهي ما يسمى بدبلوماسية النفس الثاني، فليس هناك قيمة لأي موقف دبلوماسي يتم بناؤه دون المواكبة المستمرة للحفاظ عليه وتطويره مع مرور الزمن، فالمواقف الدبلوماسية ليست أمرًا ثابتا بل المصالح هي التي تبقى الثابتة وحامية للمواقف.
والأكيد أن رهانات الدبلوماسية المغربية اليوم ليست هي نفس رهانات الأمس، حيث أصبحنا أمام اختبار دبلوماسي مهم يفحص مدى قدرة سياستنا الخارجية على استثمار مبادرة الحكم الذاتي وقدرتها على خوض المعركة الأخيرة للوصول لنقطة فرض هذا الخيار الواقعي والموثوق على معظم الدول الأوربية كما أننا أمام تحدي مهم متمثل في دفع الأمم المتحدة إلى اتخاذ توصيات نافذة بشأن تطبيق الحكم الذاتي فورا والخروج من دوامة الانتظارية اللامحدودة التي تعيشها القضية الوطنية.
لقد أضعنا الكثير من الوقت والجهد والمال في الدفاع عن قضية وحدتنا الترابية، وحان الوقت ليصل هذا النزاع الوهمي إلى نقطة النهاية والدخول إلى مرحلة جديدة، فلم يعد مقبولا أن نعيش كل أكتوبر على انتظار توصيات التقرير السنوي لمجلس الأمن.