دبلوماسية المغرب أمام ابتزاز أوروبا
جمال أكاديري
تحركات المغرب الخارجية، كانت مشروعة وفي محلها، فهو يسعى إلى إظهار ثقة في قدراته الدبلوماسية، على التموقع دوليا وإلى جانب الكبار بدون إحساس بالنقص. فلحماية سيادة وحدته الترابية، بارز دبلوماسيا دولتين أوروبيتين:
إسبانيا وألمانيا، هذان العضوان القديمان في مؤسسات الاتحاد الأوروبي، قبل أن يتقوى ويتوسع ويضم أعضاء جددا.
وهكذا الدبلوماسية المغربية تسمح لنفسها، من منطلق أخلاقيات الدفاع عن المصالح الحيوية، بإظهار انزعاجها المزدوج تجاه هاتين الدولتين، وتذكير أوروبا باصطفاف أكبر دولة في أعضاء الأمم المتحدة (أمريكا صاحبة صلاحية إشهار خيار الفيتو في مجلس الأمن) إلى جانب شرعية السيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية، ومع المقترح المستقبلي المتقدم لتدبير الاستقلال الذاتي في الحكم في إطار الجهوية المتقدمة وتحت سيادة الدولة المغربية على وحدتها الترابية، وإظهار كذلك قلقها من أن هذا المكسب الدبلوماسي المغربي- الأمريكي التاريخي، لا يقبل تلملمات الأوروبيين المشبوهة لعرقلته، وكل هذا على أمل تغيير موقفهم مستقبلا، تجاه قضية المغرب السيادية التي لا تقبل المساومات ولا الابتزاز.
تأمين الاستقرار والازدهار على الحدود الجنوبية للقارة، كانت له أهمية حيوية بالنسبة إلى مستقبل أوروبا، فالمفاوضات بين المغرب والاتحاد الأوروبي لم تكن دائما بالسلاسة المرغوبة، لكنها ضرورية لكلا الشريكين. فالمغرب كان دائما ملتزما بقيم الديمقراطية وتعددية الأطراف في إطار الحوار المتزن والمتساوي، دون الانتقاص من سيادة أي دولة، ويود أن يكون شريكا نزيها مع المنتظم الأوروبي على المدى الطويل.
لكن من ناحية أخرى فإن العلاقة المتوترة مع إسبانيا، بسبب مشاكل الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، والخلافات سابقا حول اتفاقيات الصيد في الأقاليم البحرية المغربية، بالإضافة إلى القضايا الاقتصادية والتجارية المعلقة، تقدم أسباب كافية لفتح عدة جبهات للنقاش والتفاوض وفي سياق الحوار المغربي الأوروبي الند للند.
لأن الحوار بين الشركاء على قدم المساواة، هو الوحيد الذي يمكن أن ينتج حلولا معقولة ومقبولة، ويدفع بمسلسل التطورات الإيجابية الملموسة.
في أزمة اللاجئين العالمية، هل استوعب فعلا الاتحاد الأوروبي هذه الحقائق الصارخة:
عدم قدرته على التأثير على التطورات الجيوسياسية في بؤر التوتر وفي محيطها، مع ما يشكله هذا من احتمال زيادة تدفقات الهجرة صوب مجاله، وعدم كفاية قدرة الاتحاد الأوروبي على حماية حدوده الخارجية، بما يلزم من الفعالية دون طلب العون من دول الضفة الأخرى.
وتتزامن أوجه القصور هذه مع آراء قوية للمراقبين المشككين في قدرات أوروبا في تحصين مجالها الداخلي، من عدوى العنصرية ومشاعر الكراهية للأجانب، وحتى من بعض أعراض ما يطلق عليه بمرض «الإسلاموفوبيا»، كما يحدث في عديد من عواصم الدول الأعضاء داخل الاتحاد.
بالإضافة إلى ذلك، ما تواجهه مجتمعات الاتحاد الأوروبي من صعوبة في إدماج أبناء أجيال المهاجرين الأوائل والمتأخرين، ومصالحتهم مع منظومة قيم الثقافة الأوروبية، التي تواجه بالفعل أحيانا تحديات داخلية لنشرها وفرضها كما تخبرنا الاستطلاعات.
أدت كل هذه العوامل إلى تفعيل سياسات أوروبية أمنية أكثر براغماتية، لكنها قاسية في كثير من الأحيان، خاصة عند تدبير ملفات المهاجرين السريين واللاجئين…
الاتحاد الأوروبي، أو المفوضية الأوروبية تحديدا، عند تقديمها ميثاقا جديدا على أساس كيف ستتبلور المسؤولية المشتركة، وكيف تخلق مبدأ للتضامن بين الدول الأعضاء في حل مشاكل تدفق الهجرات، وفي مواجهة تأزم الهجرة قاريا، وازدياد اللجوء إلى أوروبا، تبدو أنها ما زالت (مع ظهور هذا التوتر الإسباني- المغربي) تسلك طريق المناورة الاستراتيجية المعروفة جيدا لدى المراقبين الدوليين لحقوق اللاجئين، التي يتم فيها منع الوافدين إلى أوروبا، للتخلص منهم خارجا، ومن مسؤولية تحمل أعباء بؤسهم الإنساني، الناتج عن حروب بؤر التوتر، التي لن ننسى أن من ساهم في تأجيجها أعضاء من الاتحاد نفسه بشكل متواطئ وغير مباشر، فيتم التعويل والاستعانة ببلدان البحر المتوسطي، لإدارة ومراقبة الحدود البحرية والبرية بشكل يخدم ويؤمن سياج القارة العجوز، من تهديد الطوفان الديموغرافي الذي تحمله أمواج الهجرة.
وهذا كان دائما واضحا، بشكل خاص، في الطريقة الاستعلائية التي يتم بها تصور العلاقات مع الدول غير الأعضاء وغير المنتمية للنادي الأوروبي المغلق، فلا تتردد في استغلال اتفاقيات الشراكة والتعاون مع هذه الأخيرة، وتلغيمها وإلحاقها شرطا بقضايا تخدم هاجسها الأمني القاري بالدرجة الأولى، سيما في مجال عمليات العودة وطرد اللاجئين، ومخططات تجميعهم في مخيمات خارج الحدود الأوروبية، كما اقترحت كذا مرة على السلطات المغربية.
لهذا ارتفعت الأصوات داخل منتديات التفكير، مؤشرة على أن الواقع الجيوسياسي الجديد يفرض على المغرب إعادة صياغة، وبواقعية سياسية تراعي مصالحه الحيوية، التحالفات والعلاقات الاستراتيجية مع شركائه التقليديين، (وطبعا في حالة أوروبا، فالتعنت الإسباني غير المتزن يدفع نحو ذلك)، والبحث عن شركاء نزهاء جدد، وبناء تحالفات تكون أكثر إنصافا وأكثر مصداقية وأقل ازدواجية ونفاقا.
راهنا أوروبا تتمزق داخليا، بخصوص ملف تفاقم طلبات الهجرة، وهذا يزعزع التماسك الاقتصادي والاجتماعي ويفرض عليها تحديات حقيقية، وهي تبدو للمراقبين الدوليين، كأن لا بدائل ولا قدرة فعلية لها على تحمل هذا الطوفان البشري الذي يدق الأبواب. وليس ثمة توافق أوروبي موحد قادر على مواجهة التحدي، أو تقاسم أعباء تنزيل مقتضيات القيم الحقوقية الكونية، بخصوص كيف يجب التعامل مع أزمة الهجرة، وحتى ربما دون أي وعي جدي، بالمصير الديموغرافي المشترك، والحال أن أخبار صعود اليمين العنصري المتطرف الكاره لوجود الأجانب، تخيم بسوادها على سماء أوروبا.
المغرب كان دائما ملتزما بقيم الديمقراطية وتعددية الأطراف في إطار الحوار المتزن والمتساوي، دون الانتقاص من سيادة أي دولة، ويود أن يكون شريكا نزيها مع المنتظم الأوروبي