شوف تشوف

الرأيالرئيسية

داعش أم الإسلام..

محمد طلبة رضوان

 

«إنك امرؤ فيك جاهلية» قالها النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، لأحد أصحابه، من المسلمين، (لعله أبو ذر)، لأنه تشاكل مع آخر (على الأغلب بلال بن رباح) وعيره بأمه قائلا: يا ابن السوداء. اعتبر النبي السباب العنصري «جاهلية». تكرر الأمر نفسه مع قبيلتي الأوس والخزرج، وهما قبيلتان بينهما عداء تاريخي، انتهى حين أسلما، رآهما يهودي في محبة وألفة، فأوقع بينهما، وأثار نعرات الطائفية القديمة، فتنازعا، وأوشكا أن يقتتلا، فلحق بهما النبي، وقال: «يا معشر المسلمين، الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم»؟ يشير النبي بسؤاله الاستنكاري إلى أن الطائفية من دعاوى الجاهلية. وهكذا، فالجاهلية نقيض الإسلام، في بعده القيمي، أحد أهم منجزات محمد، النبي الأمي، الانتقال بأصحابه، وبالعقل العربي، في زمانه، من همجية الجاهلية إلى تحضر الإسلام، وهو ما أحدث الفارق، الاستثنائي، وغير المسبوق تاريخيا، وانتقل بالعرب من أقصى هوامش الحضارة إلى متونها.

لم يعد العربي، في زمان محمد، ذلك الذي يفخر بغضبه ورعونته (ألا لا يجهلن أحد علينا/ فنجهل فوق جهل الجاهلينا)، صار يستمد قوته من قدرته على أن يملك نفسه عند الغضب، أن يهب الحياة جديدا، لا أن يخصم من رصيدها، صار مُنتجا، وحقيقيا. الآن، في القرن الحادي والعشرين، نحن أمام نسخة جاهلية من الإسلام، جرى طبخها وتسويتها على نيران الهزيمة الحضارية، وتقديمها على موائد الفقر والخوف والاغتراب. أكلها الشباب وشربوها، فأصابتهم باضطرابات الجهاز العقلي وعسر الفهم. تحولت القيم المركزية في ديننا، الرحمة، والعدل، والمساواة، وكرامة الإنسان، إلى «الإسلام الكيوت»، فيما تحولت الجلافة إلى قوة في الدين، والصلافة إلى غيرة على الدين، والهيافة إلى حماية الدين من مؤامرات الليبرالية والعلمانية والإنسانوية.

جاء استشهاد الزميلة المجاهدة شيرين أبو عاقلة، رحمها الله، ليضعنا أمام صورة، بالحجم الطبيعي، لصهاينة الداخل والخارج من ناحية، وظهيرهم الديني، من الجماعات الوظيفية (داعش وفروعها الإيديولوجية) من ناحية أخرى. ليس الأمر كما يبدو، فكريا وسياسيا واجتماعيا، ليست خطابات التدين الجاهلي بنت التراث والإجماع، كما يروج أصحابها، وليس معنى وجود «رأي ما» في التراث، أيا كان حجمه، أنه المعبر الحصري عن النصوص وتأويلاتها. تكمن الجريمة، هنا والآن، في تحويل المتعدد إلى واحد، والخلافي إلى يقيني، والفقهي إلى عقدي، والوعظي إلى معرفي، والشعبوي إلى شرعي، وتقديم ذلك كله بوصفه «الإسلام الصحيح»، وما سواه جزءا من مؤامرة كونية، يشارك فيها أبو حامد الغزالي والعز بن عبد السلام والجاحظ والعنبري ومحمد عبده ورشيد رضا والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ودار الإفتاء المصرية، وغيرهم من المتآمرين على الإسلام!

تأتي ردود أفعال المؤسسات الدينية، الجادة، هذه المرة، وربما لأول مرة، لتعكس قلقا حقيقيا، من تنامي ظاهرة التدين الجاهلي، وتحولها إلى تيار له جمهور، وقدرتها المتزايدة على اختراق المؤسسات الدينية، وزرع «كوادر» تحمل أختام المشيخة والتخصص، ناهيك عن وعاظ «السوشيال ميديا»، يحاصرنا الآن «جيش الموتى»، ويهدد ما تبقى من حياة الأنظمة ومنافسيها، على السواء، فإما مواجهة جادة وحقيقية، أو «داعش» دينا ودولة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى