خيار شمشون
بقلم: خالص جلبي
لابد قبل الدخول في البحث من شرح كلمة (خيار شمشون SAMPSON- OPTION) ومن أين جاءت؟ فهذا المصطلح تم طرحه في لقاء (المدراشا) الذي أشرنا إليه في قبو الموساد (الاستخبارات الإسرائيلية)، حيث تم استعماله في ذلك اللقاء التاريخي الحاسم. وأصل هذه الكلمة من العهد القديم (التوراة) وخلاصتها أن شمشون كان جبارا عاتيا، وكان يكفيه أن يقتل ألف شخص بلحي (فك) حمار، فلما أراد الفلسطينيون الإمساك به عجزوا عن ذلك لقوته الخارقة، فأرسلوا إليه فتاة جميلة هي (دليلة) كي يغرم بها ويدلها على قوته، ويفضي إليها بسره «قوتي في خصلات شعري السبع، فإذا حُلقت ذهبت قوتي». فلما نام على ركبة دليلة جزت خصلات شعره فتبخرت قوته وتحول إلى قط وديع، وإمعانا في إذلاله أعموه بأن سملوا عينيه، ثم سخروه في الطحن بدلا عن حمار الرحى، ثم عرضوه لكل الإهانات الممكنة أمام الناس. وفي يوم العيد الكبير كان قد نبت شعره وعادت إليه قوته وهم لا يعلمون «وكان هناك جميع أقطاب الفلسطينيين وعلى السطح، نحو ثلاثة آلاف رجل وامرأة ينظرون لعب شمشون، فدعا شمشون الرب وقال: «يا سيدي الرب، اذكرني وشددني يا الله هذه المرة فقط، فأنتقم نقمة واحدة عن عيني من الفلسطينيين». وقبض شمشون على العمودين المتوسطين، اللذين كان البيت قائما عليهما، واستند عليهما الواحد بيمينه والآخر بيساره وقال شمشون: «لتمت نفسي مع الفلسطينيين». وانحنى بقوة فسقط البيت على الأقطاب وعلى كل الشعب الذي فيه، فكان الموتى الذين أماتهم في موته أكثر من الذين أماتهم في حياته» (سفر القضاة – العهد القديم، ص 408 – 409). وقصة الماسادا انتحر فيها 900 من اليهود المحاصرين دفعة واحدة أثناء هدم الهيكل على يد القائد الروماني تيطس عام 73 بعد الميلاد. فمغزى هذه القصة إذن هو المثل الشعبي المعروف «علي وعلى أعدائي»، أي أن مصممي السلاح النووي الإسرائيلي أدركوا من نقطة البداية، أنه سلاح سوف يستعمل مرة واحدة فقط، هي لحظة التهديد بالفناء، فإذا واجهوا خطر الفناء فإنهم لن يعيدوا قصة (الماسادا) قصة الانتحار الجماعي مرة أخرى. هذه الفكرة كانت وما زالت محور التفكير الإسرائيلي (لن تتكرر مآسينا مرة أخرى) و(لن تتكرر محارق أوشفيتز)، هذا هو (الدينامو) الفكري، والنظارة اللونية التي ترى إسرائيل بها العالم.
لنسمع القصة من بدايتها إذن…
إن الذي دشن القصة لم يكن (إرنست ديفيد بيرغمان) ولا (أهارون كاتزير) ولا (شالحفين فراير)، الأدمغة العلمية اليهودية، الذي دشن المشروع فعلا هم (هملر) و(هايدريش) و(أوزفالد بول)! (هملر، رئيس الغستابو، أي الاستخبارات النازية، و(هايدريش)، مساعده الأيمن، و(أوزفالد بول)، الحاكم النازي البولندي وأحد الرؤوس الإجرامية في الحرب العالمية الثانية، كانت نتيجة الثلاثة بالانتحار للأول، والاغتيال للثاني، والشنق للثالث. (راجع تاريخ ألمانيا الهتلرية – وليام شيرر – الجزء الرابع ص 52)، وأما العلماء الثلاثة اليهود المذكورون فهم الرؤوس العلمية التي تسلمت رئاسة المشروع النووي بالتالي. ففي صبيحة يوم بارد هو 20 من يناير عام 1942م في ألمانيا النازية، وعلى ضفاف بحيرة برلين تم لقاء على غاية الأهمية بين أقطاب الحكم النازي.
هذا اللقاء السري الذي أعد بعناية فائقة وبسرية مطلقة إلى درجة أنه لم يخلف وراءه أي مخطوطات أو وثائق ورقية، كان قائد اللقاء (هايدريش)، مساعد (هملر)، رئيس الغستابو والحرس الخاص (إس إس). في هذا اللقاء تم طرح (فكرة) ترتعد لها المفاصل، وهي تنظيف أوروبا من كل يهودي (استخدمت الكلمة الألمانية بالضبط (تنظيف = SAUEBERUNG). وهناك من فلول النازيين اليوم من نسمع خبر إحراقهم للأجانب، كما هو في حادثة إحراق العائلة التركية بألمانيا!). وهذا يحمل ضمنا القضاء على حوالي 11 مليون يهودي موزعين على الشكل التالي: (131800) يهودي ما زالوا يقيمون في أراضي الرايخ الأصلية، وخمسة ملايين في الاتحاد السوفياتي، وثلاثة ملايين في أوكرانيا، ومليونان وربع المليون في بولندا، وثلاثة أرباع المليون في فرنسا وثلث مليون في بريطانيا (تاريخ ألمانيا الهتلرية جزء 4، ص 63).
كتب وليام شيرر عن هذا اللقاء: «وقد دعا هايدريش إلى اجتماع ضم ممثلي كافة الوزارات المختلفة والوكالات المتفرعة عن الحزب النازي والفرقة الخاصة، وعقده في وانسي ضاحية برلين الجميلة في العشرين من يناير عام 1942م، وقد لعبت الوقائع المدونة لهذا الاجتماع دورا مهما في بعض المحاكمات الأخيرة التي أقيمت في نورمبرغ، وعلى الرغم من النكسات الراهنة التي منيت بها القوات المسلحة الألمانية في روسيا، فقد اعتقد الموظفون النازيون أن بلادهم قد كسبت الحرب، وأن ألمانيا ستتحكم عما قريب في جميع أنحاء أوروبا، بما فيها إنجلترا وإيرلندا، ولهذا فقد أبلغ هايدريش هذا المؤتمر الذي ضم نحوا من خمسة عشر موظفا من كبار الموظفين أن نحو أحد عشر مليونا من اليهود سوف يشملهم الحل النهائي للمشكلة اليهودية في أوروبا». شركة «سان غوبان» الفرنسية هي التي بنت المفاعل النووي الإسرائيلي بقوة 24 ميغاواط، وكان يعمل بقوة أربعة إلى خمسة أضعاف طاقته، أي حتى 120 ميغاواط، أما شركة «داسو» فقد بنت لهم نظام الصواريخ ـ راجع كتاب سيمور هيرش/ «خيار شمشون».