من الواضح وجود قرار ممنهج بتخليق الحياة العامة من مظاهر الفساد المالي والسياسي، وبلا شك فإن حملة اعتقال السياسيين الفاسدين ونزع الصفة البرلمانية عنهم وتقارير المجلس الأعلى للحسابات بفضح كل الاختلالات، التي ترافق صرف المال العام، وأحكام عزل القضاء لرؤساء الجماعات الترابية، ليس إلا تعبيرا عن هذا التوجه العام.
فقرارات المساءلة والمحاسبة التي اتخذتها السلطات العمومية في حق السياسيين ليست انتقائية، بل هي خيار استراتيجي ربما يحظى بمباركة عليا، ولذلك فلن تتوقف مفاجآت هذا الخيار.
إن تخليق الحياة العامة، كما طالب الملك خلال رسالته إلى البرلمان، لم يعد أمرًا اختياريا بل أضحى توجها غير قابل للتراجع من أجل إعداد المغرب لاستحقاقات كبرى في 2030. فلا يمكن أن ينتهي العقد الثالث من الألفية الحالية والمغرب مازال يتذيل مدركات الفساد أو توجد به أحزاب أكبر همها أن تكسب بضعة دراهم من أموال دافعي الضرائب لإعداد دراسات.
فالذين يريدون لهذا البلد أن يكون في مصاف الدول المتقدمة، والذين يسعون ويطمحون إلى أن تكون بلادهم الأعلى نزاهة وشفافية، يجب أن يستوعبوا جيدا، قبل فوات الأوان، أن الفعل السياسي والمال العام والمنصب التمثيلي لم توضع لإرضاء غرور السياسيين أو لتحقيق مصالحهم ومصالح ذويهم الخاصة على حساب مصلحة الوطن والمواطن، بل إن الفعل العمومي تطوعي في جوهره وليس مصدرا للاغتناء غير المشروع.
لذلك لا حل أمام الفاعلين خلال المرحلة المقبلة سوى التأقلم مع هذا التوجه الجديد لتطهير السياسة من أشكال الفساد والريع و«السقاطة» وإلا ستصبح الأحزاب والنقابات أمام فضائح لا تنتهي. وعلى من لم يستوعب ذلك من الأحزاب أن يصحو من سباته العميق، سبات عانينا جميعا منه، وحان وقت القضاء عليه والتحضير لمرحلة سياسية جديدة تختفي فيها الوجوه المستهلكة وتُؤسس فيها قواعد احترام المال العام والمناصب التمثيلية.