سناء الجاك
شكلت التغطية الإعلامية المباشرة والمتواصلة لمحاولات إنقاذ الطفل المغربي ريان، بعد سقوطه في بئر، ومن ثم وفاته، هزة أوجعت القلوب.
فلو اقتصر الحادث على خبر عابر، لما تحولت المأساة إلى شأن عام عالمي، ولما كانت الأيام الخمسة للتغطية المباشرة على مدار الساعة، الشغل الشاغل للرأي العام، ولما شملت المواقف مستويات تراوحت بين أعلى المناصب السياسية، وصولا إلى غالبية الشخصيات الفنية والفكرية والاجتماعية.
الكل سارع إلى التعاطف والتأثر وتقديم واجب العزاء وتسجيل الحضور.. وبالطبع، دخلت القراءات السياسية والإنسانية والاجتماعية على الخط، مع رصد ردود الفعل على هذه المأساة وتحليلها، والشطط نحو المبالغة في استنتاجات مفاعيلها، كالإشارة إلى أنها رأبت الصدع بين المغرب والجزائر.. أو أنها وحدت العرب من الخليج إلى المحيط..
ووجد فيها البعض تعبيرا عن بؤس الإنسانية التي أيقظها ريان بمعاناته، بعد أمل كبير بإنقاذه، صنعته هذه التغطية، ساعة بساعة ودقيقة بدقيقة، من خلال الإيحاء بقرب خلاصه، لتضرب الخيبة وجدان المتابعين مع إعلان وفاته.
والبعض الآخر فتح ملفات تحاكي أحواله، وشبه واقع بلاده الغارقة في الذل والظلم والمهانة، بسقوط متواصل في بئر عميقة من بئر ريان. ومن هذا البعض من أثار بالتزامن مع مأساة ريان، قضية الطفل فواز القطيفان الذي اختطفه مجهولون من قرية إبطع، في ريف محافظة درعا السورية، ونشروا مقاطع فيديو لتعذيبه مطالبين بفدية تقارب نحو 143 ألف دولار أمريكي.
كذلك عادت مأساة الطفل محمد الدرة، وعادت معه لائحة بانتهاكات إسرائيل لحقوق الأطفال الفلسطينيين.. وأيضا الأطفال الذين تجندهم الجماعات الإسلامية المتطرفة، في سوريا والعراق.. والطفل السوري الغريق ابن الثلاثة أعوام، آلان كردي، وشقيقه الذي يكبره بسنتين، واللذين لفظهما البحر بعد غرق قارب لتهريب البشر كانا على متنه..
ولا تنتهي الأمثلة التي يطالب من أوردها الإعلام باهتمام مشابه، وبخمسة أيام تصنع قضية ورأيا عاما، يمكن أن يؤدي إلى الحد من الاعتداءات على الأطفال..
كذلك سجل كثيرون اعتراضهم على مبدأ المتاجرة الإعلامية بحادثة موجعة، تشكل انتهاكا للطفولة ولخصوصية الضحايا وذويهم، ووجدوا أن التعامل مع الموضوع شكل استخفافا بمعاناة الأهل، كما تضمن معلومات ملفقة، بهدف الإثارة والتلاعب بمشاعر المتابعين، وحافلة بأخطاء طبية ومعلومات ملفقة لا علاقة لها بالواقع.
إلا أن هناك من استنكر هذا الاعتراض، ووجد أنه يتنافى مع الحد الأدنى من التعاطف الإنساني المطلوب.
وكل هذه التناقضات متوقعة وتعكس تناقضات النفس البشرية في معايشتها هذه الأيام الخمسة من التغطية المتواصلة، التي تجند لها الإعلام العربي والعالمي.. فالطفل المسكين يستحق أكثر.. كذلك غيره من الأطفال، وتحديدا في مناطق الصراع.. من قتل منهم ومن لا يزال يعاني.. وتمر معاناتهم خبرا سريعا، تلفظه الشاشات لمصلحة خبر أحدث.
ذلك أن الإعلام الباحث عن الإثارة، يسعى دائما إلى التوفيق بين نسب المشاهدة، وخدمة سياسات الوسائل الإعلامية، وتحديدا العالمية منها، لصنع رأي عام يخدمها. ويعمل وفق ميزان لا علاقة للإنسانية والطفولة به، سيما إذا ما كانت ردود الفعل على المأساة تتضارب مع المصالح والمخططات، التي لها الأولوية، في منظور من يسيطرون على هذا الإعلام.
لكن يبقى أكثر ما يثير الاشمئزاز هو مسارعة صائدي المواقف، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلى استغلال مأساة الطفل ريان، وإسقاطها على حالات مفتعلة ومفبركة، حيث يمكن استثمارها.. كما فعلت الجيوش الإلكترونية التي يحركها «حزب الله»، لتنسج قضية مماثلة، ولكن لمصلحة محورها، وقودها صور لا أحد يعرف مدى دقتها، مع سيول من موجات التباكي على أطفال اليمن، مع أنه لا يتورع، سواء في لبنان أو في اليمن أو حيثما اقتضت مصلحة مشغله الإيراني ذلك، عن استهدافهم بالمخدرات وتجنيدهم واستخدامهم دروعا بشرية، فقط لتنفيذ الأجندة الإيرانية والنيل من دول الخليج العربي.
وكأن هناك من يصدق هذا التعاطف الإنساني الانتقائي، الصادر عن طرف لا يعترف أصلا بالإنسانية كمفهوم، ويمنع وصول أهالي ضحايا جريمة تفجير مرفأ بيروت إلى الحقيقة، بتهديد القاضي جهارا، والعمل المتواصل لكف يده وشل التحقيقات.. لتضيع قضية كريستينا، ابنة الأعوام الأربعة.. ورفيق دربها في رحلة الموت، القاصر إلياس خوري وغيرهما.
والمؤسف، أن يساهم «حزب الله» وعبر جيوشه الإعلامية الانتهازية في طمس أي مسعى يؤدي إلى إنصاف أطفال زهقت أرواحهم، ويتم العمل على وأد الحقائق المتعلقة بهذه الجريمة، لقتلهم مرارا وتكرارا.
وأن يتم اغتيال المصور، جو بجاني، أمام طفلتيه، اللتين لا تستحقان التباكي، فقط لأن لديه أرشيفا يدينهم.
لكن، يبدو أن لا لزوم لاستغراب سلوك من يتبع سياسة تحويل الفواجع إلى مادة للإثارة الرخيصة، ويتاجر بالمآسي الإنسانية، ولا يحترم أبسط مبادئ حقوق الإنسان، والطفل على وجه الخصوص.. فهو لا يعرف للأسف معنى.. وكل ما يهمه هو أنه حضر السوق فباع واشترى.. وحاول الاستفادة من خمسة أيام، رافقت مأساة ريان.
نافذة:
يبقى أكثر ما يثير الاشمئزاز هو مسارعة صائدي المواقف عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى استغلال مأساة الطفل ريان وإسقاطها على حالات مفتعلة ومفبركة حيث يمكن استثمارها