شوف تشوف

الرأي

خط بين «مغنية» وسبتة

يونس جنوحي

المهاجر المغربي الذي تم اكتشاف أنه يحمل السلالة الجديدة من الفيروس على أبواب ميناء طنجة المتوسط، تم حمله إلى الدار البيضاء لإجراء الفحوصات التكميلية، ومراقبة حالته وعزل مخالطيه. وهنا انتهت قصته وبدأت قصة وزارة الصحة المغربية، إذ إن البلاغ الذي أصدرته، أول أمس، خلق الحدث أكثر من محتوى البلاغ أو خبر اكتشاف السلالة الجديدة لدى مهاجر مغربي قادم من أوربا العليا لكي يصل الرحم مع العائلة.
بالإضافة إلى «الجيل» الجديد من الفيروس، وتضارب الأقوال حول اللقاح دون أي توضيح في الموضوع من طرف وزارة الصحة، الوصية على القطاع يا حسرة، ظهر فيروس من نوع آخر يتخبط بالمغرب، مصدره الجارة الشرقية. إذ إن الجزائريين يريدون هذه الأيام استفزاز المغرب، من خلال فتح محادثات مع الطرف الإسباني لتدشين خط بين مدينة مغنية الجزائرية وسبتة المحتلة. يحدث هذا في وقت أغلقت حدود هذه المدينة، منذ قرابة سنة إلى الآن في وجه ناقلي السلع والبضائع. واليوم يعيش بعض العالقين ظروفا عصيبة، بعد رفض الإسبان فتح الحدود في وجه العالقين والعالقات للعودة إلى المغرب.
سيدة مغربية خلقت الحدث خلال الصيف الماضي، عندما قفزت من السياج إلى المياه وسبحت بجلبابها مسافة الأمتار القليلة التي تطوق المعبر، لتصل إلى الجهة التي تتحكم فيها السلطات المغربية، وتتم مساعدتها للعودة إلى أبنائها. وتركت هناك خلفها في سبتة عالقات أخريات، منهن من فقدن هذه الأيام أفراد من العائلة دون أن يستطعن العبور لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة.
أن يفكر المسؤولون الجزائريون في هذه الخطوة التي لا يمكن اعتبارها إلا استفزازا لكل المغاربة، فهذا منتهى الإفلاس السياسي. ماذا ينقصك يا «مغنية»؟ خط ملاحي مباشر مع سبتة المحتلة.
حسب مؤشرات موقع الملاحة العالمي، فإن مرفأ مغنية ليست له أية أهمية اقتصادية في المنطقة، ولا يتوفر على أي بنية تحتية تؤهله مثلا لمنافسة ولو قسم صغير من ميناء طنجة المتوسط، الذي يعتبر الأكبر في إفريقيا وأحد أهم نقاط العبور في منطقة البحر المتوسط، التي تطل عليها دول كبرى.
لماذا تم اختيار «مغنية»؟ بالنسبة إلى الجزائريين ربما يكون السبب أنها تشكل خط ملاحة متواز تماما مع سبتة المحتلة. لكن ما لا يعرفه هؤلاء العسكريون في الجزائر، أن مدينة «مغنية» كانت دائما منطقة استراحة للمغاربة، وكان أعيان هذه المدينة الساحلية يلجؤون بتجارتهم إلى مدينتي وجدة والناظور، حيث كانوا يعبرون إلى مليلية ليركبوا البحر في اتجاه إسبانيا. وعليهم اليوم أن يعودوا إلى التاريخ ليقرؤوا كيف أن أجدادهم كانوا يغامرون بحياتهم، ويتركون سلعهم أمانات وودائع لدى التجار المغاربة، قبل أن تحتل إسبانيا مدينتي سبتة ومليلية وتعتبرهما جزءا من نفوذها الترابي.
وقبل أن يدور الزمن دورته، كان كبار التجار الجزائريين يلجؤون إلى طنجة لكي يقيموا تجارتهم مع الإسبان والإنجليز وحتى الألمان، وكثيرا ما كانوا يعرضون عليهم الأثواب المغربية التي يشترونها من الناظور قادمة من فاس، ويقدمونها لهم على أنها مصنوعة في تلمسان. وإذا أراد الجزائريون دليلا على هذا الكلام، فلا يمكن إلا أن ننصحهم بقراءة أرشيف صحافة إسبانيا وفرنسا في شمال المغرب، إذ إن ممثلي المفوضيات الأجنبية في طنجة، والذين جاؤوا إليها في وقت كانت خلاله الجزائر مجرد مستعمرة عثمانية يديرها الأتراك، رفعوا شكايات بهؤلاء التجار الجزائريين خلال فترة 1773، إلى السلطان المغربي وطلبوا منه أن يؤدبهم لأنهم كانوا ينصبون على الأجانب. لكن القصر المغربي لم يقم بطرد الجزائريين من أرضه، بل قدم لهم تسهيلات لكي يبيعوا بضائعهم عبر موانئ المغرب.
وها هو الزمن يدور دورته لكي يأتي زمن الجنرالات، ويطلبوا من إسبانيا منحهم خطا مع سبتة المغربية، والله وحده ماذا سوف يصدرون عبره، خصوصا وأن بلادهم هذه الأيام لم تعد تصدر إلا الأزمات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى