شوف تشوف

الرأي

خط بحري بين الماضي والحاضر

يونس جنوحي

أكثر من منبر اقتصادي عالمي أشاروا إلى أهمية الخط، الذي ينتظر أن يربط بريطانيا بميناء طنجة المتوسط. وطبعا، هذا الأمر سوف يكون له ما بعده، لأن ضم خط جديد نحو بريطانيا يعني ضما لوجهة أخرى من الميناء الذي يعتبر الآن بالنسبة لكبريات القوى الاقتصادية في العالم، أهم نقطة في حركة الملاحة التجارية بإفريقيا كلها.
عندما وقعت أزمة السويس، قبل أشهر، فهم واضعو الخطط الاقتصادية الاحتياطية والاستشرافية أن المستقبل سوف يكون في حوض البحر الأبيض المتوسط، وليس في مكان آخر.
فتح هذا الخط، يعني أن بريطانيا والمغرب سيوفران على عمليات الاستيراد والتصدير ثلاثة أو أربعة أيام، أي أن التبادلات التجارية بين البلدين سوف تصبح أقل تكلفة وأكثر عملية من أي وقت مضى.
في الجزائر، نشرت صحف موالية للسلطة مقالات تقلل من شأن الاتفاق بين المغرب وبريطانيا، العام الماضي في قمة الاستثمار البريطاني الإفريقي بلندن. والسبب أن الجزائر لم تفز بأي حصة من تلك الاستثمارات، رغم أنهم تحدثت وبإسهاب عن إجحاف في حق الجزائر، عندما اختارت شركة «رونو» أن تنشئ مخازنها ومصانعها في المغرب، رغم الإغراءات التي قدمها الجزائريون. وإذا فرضنا أن فرنسا أرادت معاقبة الجزائر سياسيا في هذه القضية، أو أن دبلوماسيتها الموازية لم تُبل جيدا بهذا الخصوص، فلماذا فتحت بريطانيا هذا الخط الملاحي سنة بعد القمة الإفريقية البريطانية، ولم تفتحه في الجزائر مثلا؟
سنويا، حسب أرقام نشرتها وزارة الخارجية البريطانية، فإن أزيد من 700 ألف مواطن بريطانيا يأتون إلى المغرب فرادى وفي إطار برامج سياحية. وهذا الرقم مرشح للارتفاع هذه السنة، بحكم أن المغرب كان وجهة نصحت بها بريطانيا مواطنيها، بمجرد رفع الحجر الصحي الشامل الأول خلال العام الماضي، وحذرت من وجهات أخرى كانت تنافس المغرب، مثل مصر وتركيا.
بالعودة إلى الخط البحري الذي سوف يعزز الأنشطة الاقتصادية بين المغرب وبريطانيا، لا بأس أن نذكر بأن التبادل الاقتصادي بيننا وبين بلاد الملكة إليزابيث يعود إلى أكثر من سبعة قرون.
إذ إن أول شركة أسست على الإطلاق في بلاد المغرب كانت بريطانية، وكانت متخصصة في استيراد السكر المغربي، أيام الدولة السعدية، حيث ما زالت بعض آثار مصانع السكر بتارودانت شاهدة على المرحلة. وبإمكان أي باحث جاء للبحث عن أرشيف الشركة البريطانية الشريفة، أن يجد علب السردين الفارغة وحتى حفاظات الأطفال، في تلك الأماكن التي شهدت إنشاء أول صناعة حقيقية للتبادل التجاري بين المغرب وبريطانيا.
ثم بعد ذلك تأسست شركات بريطانية أخرى في الصويرة، حيث كانت السلع المغربية، خصوصا المواد الفلاحية، تنقل بحرا من الصويرة إلى المملكة المتحدة، وهو ما نتج عنه لاحقا هجرة عدد من الأسر المغربية بصورة نهائية إلى بريطانيا إما تهربا من الضرائب، وإما بحثا عن حياة جديدة، بعد أن ذاقت متعة مراكمة المال من وراء التجارة مع الإنجليز.
إذا كان هذا الخط البحري الجديد الذي ينتظر أن ينطلق في شتنبر المقبل، سيقض مضجع أحد ما في الجوار، فإن العودة إلى الأرشيف في مواقع الخارجية ووزارة الاقتصاد في بريطانيا، قد تصيب هؤلاء بالجلطة.
توجه إلى أي مكتبة في أصغر مدينة في بريطانيا، وسوف تجد ما يدل على أن أغلب الشركات التي تأسست في القرون الماضية للاستيراد والتصدير تعاملت مع المغرب، أو توقفت في شواطئه للتزود بالسلع.
كل هذا حدث عندما كانت دول كثيرة في شمال إفريقيا تصارع لكي تفلت من قبضة الهيمنة العثمانية، وعندما تكتب رسالة ما فإنها تكون في الغالب طلبا للدعم من المغرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى