شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

خط التحريض

 

 

حسن البصري

وجه محمد العقاب، وزير الاتصال الجزائري، خطابا شديد اللهجة للصحافيين الجزائريين، وحذرهم من الانفلات الرياضي الذي كاد أن يتسبب في أزمة ديبلوماسية بين الجزائر وموريتانيا. في خطبته العصماء، ركز محمد العقاب (بتسكين العين وفتح القاف) حتى لا يعني العقاب والتنكيل، على الغارة التي استهدفت المنتخب الموريتاني من طرف الصحافة الرياضية الجزائرية، واتهامه بالعيش في كنف المغرب.

تبادل الصحافيون الجزائريون والموريتانيون الرشق، وأصدر الاتحاد الموريتاني بيانا وضع فيه النقط فوق الحروف، مبرئا المغرب من صفة الراعي الرسمي للمرابطين.

لم يكتف محمد العقاب بلسع أذن صحافيي بلده، بل انتقد تعاطي المحللين في استوديوهات التحليل الرياضي مع مباريات كأس أمم إفريقيا، حين تسابقوا إلى شحن الرأي العام ببارود العداء لكل خصوم الجزائر، بل امتد العداء إلى مدرب منتخبهم فتم تخوينه والتشكيك في وطنيته.

اعترف الوزير بسوابق الصحافيين الجزائريين في حفر خنادق المعارك وتهييج الشعب ضد كل من سولت له نفسه الارتقاء في سلم التصنيف القاري. وذكر بالاقتتال الإعلامي مع التونسيين عقب خسارة المنتخب الجزائري في صفاقس ضد المغرب خلال نهائيات كأس أمم إفريقيا 2004. وما خلفته المعارك من اقتتال إعلامي كاد أن يهدم حفلة الكأس الإفريقية.

ولم يكتف العقاب بالكشف عن دور صحافة بلاده في زراعة الفتن وريها بمداد الضغينة والشتيمة، بل اتهمها بتحويل مباراة كرة في أم درمان بين مصر والجزائر، إلى أزمة سياسية بين البلدين، انتهت بسحب السفيرين للتشاور والتخابر.

لكن، ألا يعلم وزير الإعلام أن النظام الحاكم هو من صرح للصحافة ومشتقاتها بشن الغارات العدائية على المغرب، وهو من ساهم في إنجاب فيلق من المحللين الذين أدوا اليمين على تبخيس جهود المغاربة والتركيز على عورات اللاعبين والمدربين والمسيرين.

خرج الإعلام الجزائري عن السيطرة، وتحول الخط التحريري للصحف والمجلات والمواقع والقنوات الخاصة والعامة والصفحات المدعمة بالغاز، إلى خط «تحريضي» تنتهك فيه أبسط مبادئ العمل الصحفي المهني برعاية موقظي الفتنة.

في بلاطوهات التحليل الرياضي لجيراننا، لن تجد سوى الصراخ وهرة تشتم فأرة، وفاصل إشهاري، في نقاشاتهم تنسحب أخلاقيات المهنة، وتتعطل أبسط مبادئ التحليل التقني، ويفقد الخبر قدسيته ويصبح التعليق حرا طليقا.

ليست «خرجة» وزير الاتصال الجزائري بريئة، ولا يمكن تصنيفها في خانة «وخز» ضمير مستتر تقديره هو، بل جاءت مباشرة بعد تنبيه كتابي من اتحاد الإذاعات العربية، وهي هيئة تابعة لجامعة الدول العربية، حيث نبهته إلى خطورة الحملات العدائية التي يشنها الإعلام الجزائري، والقصف العشوائي الذي يميز أداءه.

لكن، للأمانة الصحافية، فإن «التجريدة» الإعلامية المغربية التي خاضت معارك «سان بيدور» في الكوت ديفوار، فقدت بوصلتها حين انساقت وراء خط «تحضيري» جعلنا نتابع رحلة اكتشافية جماعية لصحافيين وأشباههم، أكثر ما نتابع أخبار المنتخب.

رحلة المائة والأربعين مجندا أطاحت بما تبقى من قدسية المهنة، حين وضعت البيض الفاسد والجيد في سلة واحدة، وحين ظن بعض زملائنا أنهم في مهمة ترويج سياحي لسان بيدرو، فأسسوا لخط «تحقيري» جديد.

اليوم انتبهت «الفيفا» لتفاهة الأسئلة التي تطرحها صحافة الرحلات المنظمة، وقررت سن ضوابط جديدة في الندوات الصحافية، حتى لا يتحول الجواب إلى مادة للإثارة قابلة للتعليب والترويج.

ما حصل في «سان بيدرو» يسائل القائمين على الإعلام الرياضي، ويطالبهم بتحديد معايير لانتقاء ممثلينا في المحافل الكبرى، حتى لا تتناسل فضائحنا كلما شارك منتخبنا في حدث كروي قاري أو عالمي.

أيها المستنيرون أنقذوا مهنة ضربها الذل وصفعها الهوان، أعيدوا للصحافي الرياضي كرامته التي تباع بتذكرة سفر وإقامة و«بادج». في زمن تحولت عقول المستنيرين إلى صرافة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى