خطوة في المسار الصحيح
يبدو أن بعض المياه الراكدة في العلاقات المغربية الإسبانية بدأت تتحرك، مبشرة بإمكانية تجاوز فترة عصيبة من العلاقات الديبلوماسية بين البلدين، فالتصريحات الإيجابية التي أعلن عنها العاهل الإسباني الملك فيليبي السادس، أول أمس الاثنين بمدريد، خلال استقبال خص به السلك الدبلوماسي المعتمد في إسبانيا، لا يمكن اعتبارها سوى خطوة في المسار الصحيح، خصوصا إذا اقترنت بأفعال وقرارات ديبلوماسية شجاعة وجريئة، تعيد لبلادنا الثقة في الشريك الأوروبي.
فأن تتفق إرادة ملك إسبانيا، التي عبر عنها صراحة بـ«نريد المضي قدما جنبا إلى جنب مع المغرب، لتجسيد علاقة جديدة بين البلدين أكثر قوة وصلابة»، مع إرادة رئيس الحكومة في مدريد، بيدرو سانشيز، التي قال فيها إن إسبانيا والمغرب يجمعهما «تعاون استراتيجي» في جميع المجالات، وإنه «بالنسبة إلى إسبانيا، يعد المغرب شريكا استراتيجيا ينبغي أن نمضي معه قدما»، فهذا تطور نوعي وإيجابي في الخطاب الدبلوماسي والسياسي الإسباني الرسمي تجاه المغرب.
والأهم من ذلك أن السلطتين الوراثية والانتخابية في مدريد متفقتان ومتطابقتان في قناعاتهما القائمة على إعادة تجديد العلاقة القائمة مع المغرب على «أسس أكثر قوة ومتانة»، وأنه ينبغي على الأمتين السير معا من أجل الشروع في تجسيد هذه العلاقة بدءا من الآن، وهذا مدخل جيد لمراجعة بعض تفاصيل العقائد الديبلوماسية البالية في إسبانيا تجاه المغرب، وهنا بالضبط يسكن الشيطان كما يقال.
فلا أحد من الطرفين يمكن أن يخدمه هذا الطقس الجامد، الذي يخيم على العلاقة بين المغرب وإسبانيا، التي ظلت دافئة حتى في أسوأ فصولها، والمؤكد أن الكلفة الاقتصادية والأمنية والديبلوماسية لهذا الوضع مكلفة جدا للطرفين، لكن لا يمكن لأي علاقة أن تستعيد عافيتها، وإسبانيا تلعب على كل الحبال وحاولت لي ذراع المغرب بقضية وحدته الترابية، فيما بلدنا لا يتردد في الدفاع عن وحدة وسيادة إسبانيا ضد أي نزوعات انفصالية، فالمغرب قد يتسامح في ما يخص مصالحه الاقتصادية، لكن ليس على حساب سيادته الوطنية غير القابلة للتصرف أو التنازل. وهذا ما على مدريد أن تدركه جيدا، وتأخذه في الحسبان.
لذلك فالمغرب واضح وصارم في مواقفه وهو ما جعله يكسب جولات ديبلوماسية ضد بلدان يقام لها ولا يقعد، وهو اليوم لا يطلب من إسبانيا سوى الوضوح في المواقف تجاه قضيتنا الأولى، أما ما عدا ذلك فكل شيء قابل للتفاوض.