في كل مرة يحقق مغربي أو مغربية فوزا قاريا أو دوليا تتأكد من جديد مقولة أن النجاح في المغرب فردي وليس جماعيًا.
أمس حصل المغرب على الرتبة الأولى في الأولمبياد الإفريقية في الرياضيات، كما حصلت تلميذة مغربية على لقب «ملكة الرياضيات الإفريقية». هذا الإنجاز لا يمكن إنكار أهميته لدخوله في ما يمكن تسميته «الديبلوماسية التربوية»، على غرار ما يتم الحديث عنه اليوم من واجهات لعمل الديبلوماسية المغربية، من قبيل «الديبلوماسية الرياضية» و«الديبلوماسية الثقافية»…
أهمية ما حدث لن تجرنا إلى نسيان حقيقة أن تعليمنا العمومي يوجد في غرفة الإنعاش، ذلك لأننا أمام مفارقة صارخة جدا، فمن جهة يكتسح التلاميذ المغاربة مختلف المسابقات الإفريقية والعربية بل والدولية، بدليل أن نصف الناجحين مثلا في اجتياز مباراة ولوج مدرسة القناطر الفرنسية الشهيرة هم مغاربة، بينما النصف الآخر تتقاسمه عشرات الدول الفرانكفونية، وهذه المباراة تفتح أمام خريجي الأقسام التحضيرية في الرياضيات.
ومن جهة أخرى احتلت منظومتنا التعليمية أدنى المراتب في الرياضيات، بدليل حصول المغرب على المرتبة 55 من بين 58 دولة في آخر تقويم دولي مختص في العلوم يحمل اسم «TIMSS». والنتيجة نفسها في تقويم دولي آخر شارك فيه المغرب كأول دولة عربية وإفريقية تفعل ذلك ويحمل اسم «PIZA». إذن ماذا يعني أن التلاميذ يفوزون بالألقاب دوليا في الرياضيات وفي القراءة بينما تحتل منظومتهم أدنى المراتب؟
لا يمكننا اعتبار ما حدث إنجازا لتعليمنا العمومي بل إنجازا فرديا حققه تلاميذ رفقة أساتذتهم الذين أشرفوا على تكوينهم بشكل فردي ورافقوهم في مختلف المسابقات والإقصائيات، بدليل أن من أعضاء الفريق المغربي الذي حقق الإنجاز سابق الذكر في عاصمة رواندا «كيغالي» من كان يدفع من جيبه مصاريف تنقله من مدينته إلى المدن الأخرى التي كانت تحتضن الإقصائيات، وعندما بلغوا التصفيات النهائية وحصلوا على المرتبة الأولى، سارعت الوزارة والأكاديمية الجهوية التي تدرس فيها التلميذة المتوجة إلى إصدار بلاغات افتخار، وسنرى حفلات رسمية ستنظم للفريق المتوج. ونحسب أن هذا يدخل ضمن سرقة الإنجازات لا غير، إذ بدل أن تُنسب للتلاميذ وأسرهم وأساتذتهم ستحاول الوزارة والأكاديميات نسبتها لنفسها وكأنها إنجاز من إنجازاتها.
سرقة المسؤولين للإنجازات الفردية للتلاميذ أضحت عرفا، وسنرى هذا بعد أقل من ثلاثة أسابيع عندما سيتم الإعلان عن نتائج الباكلوريا، إذ ستتنافس الأكاديميات على أكبر معدل عام وأكبر معدل في الامتحانات الوطنية وأكبر معدل في العلوم وأكبر معدل في الآداب، بل وستتفاخر بأكبر نسبة نجاح وأكبر نسبة من الميزات، وستنظم الحفلات وكأن كل شيء في تعليمنا بخير، مع أن نظام التقويم عندنا لا يعكس مستوى التلاميذ، بمعنى أن الارتفاع المضطرد لنسبة النجاح في الباكلوريا كل سنة لا يعني تحسن مستوى التلاميذ، بل يعكس اختلالات بنيوية في طريقة وضع الامتحانات.
وهذه مفارقة أخرى على غرار المفارقة الأولى. إذ في الوقت الذي تجاوزت فيه نسبة النجاح في الباكلوريا عندنا فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، وانتقلنا في ظرف عشر سنوات من 52 في المائة كمعدل وطني للنجاح إلى أكثر من 80 في المائة، نجد واقعا لا يتحدث عنه هؤلاء المسؤولون، وهو أن نسبة كبيرة جدا من الذين حصلوا على ميزة حسن وحسن جدا، وهما أكبر ميزتين في الباكلوريا، يفشلون في جميع مباريات الطب والصيدلة والهندسة ويُجبَرون على التسجيل في الكليات العادية. والأنكى من ذلك أن أكثر من نصف هؤلاء الطلبة يغادرون الجامعة دون شهادة، لأنهم، ورغم الميزات المرتفعة التي حصلوا عليها، لم يستطيعوا مواكبة إيقاع الدراسة في الجامعات.
بمعنى، أن ربع الحاصلين على شهادة الباكلوريا هم فقط من يستطيعون مواصلة تعليمهم العالي، بينما الآخرون ينضافون سنويا إلى آلاف ضحايا الهدر الجامعي. ومن يريد التأكد من هذه الحقيقة المؤسفة، تكفيه العودة لآخر تقرير صادر عن مندوبية الحليمي قبل أيام.
إذن، لنترك البهرجة الإعلامية والتوظيف غير البريء للإنجازات الفردية لأطفالنا، ولنركز على تفعيل إصلاح حقيقي للمنظومة ككل.
لقد رأينا المهزلة نفسها عندما فازت الطفلة مريم أمجون بلقب «تحدي القراءة العربي لسنة 2018 بالإمارات». حيث سارع مسؤولون في وزارة التعليم للسفر إلى دبي والاستقرار في أرقى الفنادق على حساب ميزانية الوزارة، فقط ليتلقطوا الصور لحظة تتويج هذه الطفلة، بل ورأينا البعض منهم يخطف الجائزة من يديها ويرفعها، في لحظة أقل ما يقال عنها بأنها صفاقة.
إذ في السنة التي حصلت فيها الطفلة مريم أمجون على هذه الجائزة، خرجت نتائج دراسة دولية حول القراءة وتعرف باسم «PIRLS» أثبتت أن الأطفال المغاربة في سن هذه الطفلة لا يستطيعون قراءة خمسة أسطر دون خطأ، علما أن المعدل الدولي للقراءة هو خمس صفحات. وبدل أن يتم التركيز على المجهود الكبير الذي قام به والدا الطفلة وتقديمه كنموذج، حاول المسؤولون سرقة إنجازها ونسبته لأنفسهم.
للأسف نفس الشيء سيحدث هذه الأيام، حيث سيتم استقبال الفريق الفائز بجائزة الرياضيات في رواندا، وسنرى المسؤولين بمختلف رتبهم يتصدرون كل الصور، محاولة منهم لإيهام الرأي العام بأن الأمر يتعلق بإنجاز وزاري. والحقيقة غير ذلك تماما.
فتعليمنا العمومي فاشل بكل المقاييس، والنجاحات فيه استثنائية. استثناءات يقف وراءها آباء وأساتذة متطوعون ضحوا بأموالهم ووقتهم ليحصل أبناؤهم على تعليم جيد مكنهم من التميز وسط سبعة ملايين تلميذ مغربي.