شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

خطاب قوي ومستقبلي

خالد فتحي

 

المنتصر هو من يملي عادة شروطه.. تلك كانت دائما القاعدة.. لكن المملكة المغربية لما تنتصر، ولما تحصد الدعم الدولي المتزايد لسيادتها المشروعة على صحرائها الجنوبية، وتتبدى أمامها بجلاء آفاق الحسم النهائي لهذه القضية المفتعلة، لا تسعى أبدا كي تستقوي على أحد، أو تستبد بالوضع المريح الذي يوجد عليه موقفها، بل تتحلى برجاحة العقل والرصانة وبعد النظر وتترك دائما مخرجا لخصوم وحدتها، يجعل من حل الحكم الذاتي فرصة إقليمية كذلك للتعاون وللبناء المشترك والتنمية .

هذا هو المقصد النبيل الذي يرشح من الخطاب القوي للملك في الذكرى 49 للمسيرة الخضراء. فحين رمز جلالته إلى الجارة الشرقية التي تريد منفذا إلى المحيط الأطلسي، إلى الدرجة التي لم تستنكف معها أن توحي للمبعوث الأممي بمقترح تقسيم الصحراء المغربية، وضح لها أن المغرب الذي بادر إلى اقتراح هذا المنفذ على دول الساحل، لن يمنع ذلك عن من نشترك معهم في أواصر اللغة والدين والتاريخ والدم، إذا تم في إطار السيادة المغربية التي ليست موضوعا للتفاوض والمساومة، وقاموا بتغيير أسلوبهم وأصبح لهم نفس هدفه الذي ليس سوى تحقيق مصلحة شعوب المنطقة..

بهذه الكلمات الرصينة، يكون جلالته قد مد يده مرة أخرى للجزائر، ناصحا حكامها بالنزول من عربة الوهم، وبالنظر إلى الحقائق كما هي على أرض الواقع .

وبذلك، إذا ما حاولنا تأويل الخطاب الملكي، فهو لا يرمي إلى حشر هؤلاء الذين يعادون وحدتنا في الزاوية الضيقة، أو إلى إراقة ماء وجههم، وإنما يرشدهم بأخلاق الملوك إلى الطريق الصحيح الذي عليهم سلوكه من خلال الجلوس إلى الموائد المستديرة التي يطالبهم بها مجلس الأمن.

بمثل هذه المرامي، يكون الخطاب بالخصوص درسا في الواقعية السياسية، حين يدعو فيه جلالته المناوئين لوحدتنا من شتى الأصناف إلى الانتباه إلى ما يعتمل في الصحراء المغربية من نهضة، وما تنعم به من أمن واستقرار، وما يعبر عنه أبناؤها من تعلق بمغربيتهم وثوابتهم، مفندا بالتالي تهافت وافتئات كل جهة مناوئة على حدة، ليمدنا في نفس الوقت بالعناصر الأساسية للمرافعة عن صحرائنا في مرحلة التغيير التي تحدث عنها خلال خطابه في افتتاح السنة التشريعية .

هناك نبرة ثقة بالنفس في الخطاب، ومخايل نصر مؤزر بين سطوره، واعتداد ملكي واضح بما تحقق من اختراقات، ومن إنجازات عظيمة للدبلوماسية المغربية، وترتيب وتوقيت ذكي للمبادرات والاقتراحات، ورسائل تذكر الشعوب المغاربية بأن المغرب لا يمانع في كل ما فيه خير لها، وفيه على الخصوص فرصة أخرى للنظام الجزائري كي يتدارك موقفه في الوقت الميت من الصراع، ولا يستمر في تصدير أزماته الداخلية بافتعال قضايا وهمية حتى لا يكون آخر من يعترف بالحق المغربي المشروع .

يبقى أن نلتقط أيضا أن الملك لم يتعرض في هذا الخطاب لتطورات القضية الوطنية لوحدها، فلقد أصبحت منذ الإجازات الأخيرة وبدءا من هذا الخطاب قضية عادية تندرج وتأتلف ضمن القضايا الأخرى التي تهم بلدنا .

هذه رسالة بليغة أخرى تظهر في بنية هذا الخطاب.. حيث أفرج جلالته عن هندسة مؤسساتية جديدة ينتظر منها أن تدفع بجاليتنا بالخارج إلى المساهمة في بناء الوطن والدفاع عنه في المحافل الدولية وتعبئتها بشكل فعال للاستثمار في وطنها.. وبالتالي قد وجه الحكومة إلى أن تجعل من المغرب بلدا جاذبا لأبنائه من الأدمغة والكفاءات والمستثمرين في الخارج، من خلال نجاعة التدبير لشؤونهم ومقترحاتهم وتنفيذها، داعيا إلى الخروج من مرحلة تشتت الفاعلين وتداخل اختصاصاتهم، فإذا كانت الهجرة قد أبعدت مغتربينا عن وطنهم، فالعولمة والوطنية التي تحركهم كفيلتان بأن تعيداهم لنا من جديد. ذلك أن الوطن لا تكتمل قوته إلا بجميع أجزائه وإلا بجميع أفراده .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى