خروج نتانياهو ودخول رئيسي
حازم صاغية
اللحظة الراهنة في المشرق العربي قد يصح تلخيصها في رجلين وحركتين: بنيامين نتانياهو الذي يخرج من الحلبة، مقابل إبراهيم رئيسي الذي يدخلها.
هذا لا يعني أن نتانياهو استثناء على الطاقم السياسي الإسرائيلي، أو أنه مختلف كثيرا عن الذين حلوا محله. وهو لا يعني كذلك أن رئيسي – الذي سينصب بعد أيام قليلة رئيسا لجمهورية إيران في انتخابات بلا منافسين- حالة استثناء تُحدث تحولا نوعيا في النظام الإيراني وتوجهاته.
في إسرائيل، انتهت 12 سنة من عهد رئيس حكومة شعبوي غالبا ما حاول أن يتجاوز تفويضه، وغالبا ما حاولت فرديته أن تدجن العملية الديمقراطية وتعطلها، وكثيرا ما نجحت في ذلك. وإذا صح أن خلفه نفتالي بينيت يشبهه في كثير من المواقف السياسية، ويشاركه عنصريته حيال الفلسطينيين، بقي أن أمرين أساسيين يميزان حكومة بينيت – لابيد الجديدة عن حكومة نتانياهو:
أولا، أنها ائتلافية، متعددة التأثيرات والتعرض للضغوط، وهي تقوم على المداورة بين رأسيها. إذاً، ليس هناك رأس واحد قد ينحط به السلوك إلى مزاج واحد. طبيعة الحكومة الائتلافية البالغة الاتساع قد تجعلها بطيئة الفعاليّة، أو ضئيلتها، إلا أن القليل الذي قد تنجزه سيحظى بدعم شعبي أعرض. أما التحدي الأهم الذي سوف يواجهها، فيما لو تمكنت من الإقلاع، فهو الانتقال من التعريف السلبي للذات («نحن مجرد نقيض لنتانياهو») إلى تعريف إيجابي («هذا هو برنامجنا»). في هذه الخانة قد يلعب التفات أكبر إلى المسألة الاجتماعية، بما فيها مطالب الأقلية العربية، بعض الدور. الحضور الحكومي الضعيف لليسار (حزبا العمل وميريتس) ودعم منصور عباس و«القائمة العربية الموحدة» للحكومة يعطيان هذا الاحتمال بعض الفرص.
ثانيا، أنها ستكون أكثر تجاوبا مع السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. إدارة بايدن لم تُخف فرحها بالتغير الحكومي في إسرائيل، وهو ما تحتاجه كثيرا، خصوصا مع ما بات يوصف، بعد قمة الدول السبع في بريطانيا، بـ«عودة الولايات المتحدة إلى العالم». حرب غزة الأخيرة هي ما يرجح لها رفع درجة حضور الشرق الأوسط في حسابات تلك الإدارة وفي اهتماماتها. احتمال التراجع في معدلات المغامرة الإسرائيلية مرجح أيضا.
بلغة أخرى، يندرج خروج نتانياهو في ميل إلى التكيف مع «الآخر»، أكان في داخل إسرائيل (العرب، اليسار…)، أو في خارجها (الولايات المتحدة وأوروبا الغربية)، أو في ما بينهما (السلطة الفلسطينية في رام الله). هذا ما يبقى، بطبيعة الحال، أقل من اللازم وأقل من المطلوب، لكن المؤكد أنه سيكون أكثر كثيرا مما يمكن أن يفعله نتانياهو و«ليكود».
دخول إبراهيم رئيسي، في المقابل، هو حالة عدم تكيف كامل. إنه رفع عدم التكيف إلى سدة السلطة.
فلنفترض للحظة أن المفاوضين في فيينا تغلبوا على الفوارق الكبرى بينهم ونجحوا في إعادة الروح إلى الاتفاق النووي، فهل سيكون رئيسي من ينفذ اتفاقا كهذا؟
إذا جاز القول إن بينيت ولابيد مضطران أن يكونا أقل تشددا من نتانياهو، فالمؤكد أن رئيسي سيكون أكثر تشددا من حسن روحاني ومحمد جواد ظريف. تطابقه الكامل مع المرشد الأعلى علي خامنئي (أستاذه وابن مدينته مشهد) يعزز ذلك. ثم إن رئيسي، فوق مواقفه السياسية المعروفة، معروف بمواقف ثقافية تسند سياساته وتشرحها: من العداء القاطع للثقافة الغربية في سائر أشكالها وسلعها إلى العداء للتعليم المختلط واجتماع الصبيان والبنات تحت سقف واحد.
أما «الآخر» الذي لا يتكيف معه رئيسي فيبدأ بالداخل الإيراني نفسه، ويعود إلى العام 1988، حين كان واحدا من المتسببين البارزين بعمليات الإعدام التي طالت سجناء سياسيين.
رصيده في السلطة القضائية التي تولى رئاستها في 2019 يبدأ في 2004، حين سمي المعاون الأول لرئيس تلك السلطة، مساعدا لمحمود هاشمي شهروردي ثم لصادق لاريجاني. مذاك وحتى قمع «الثورة الخضراء» في 2009، تراكم جبل من انتهاكات حقوق الإنسان التي طالت معارضين وطلابا ومطالبين ومطالبات بمساواة المرأة بالرجل. هذا، بدوره، يخفض احتمالات التفاهم مع إدارة بايدن التي تقول إن حقوق الإنسان تحتل موقعا متقدما في اهتماماتها.
بلغة أخرى، نحن أمام فتحة صغرى في إسرائيل وغلقة كبرى في إيران.