خرافاتنا بين الأمس واليوم
يونس جنوحي
لا يوجد سبب واضح، أو تفسير منطقي، للغط الذي تبع عملية لفظ بحر مدينة آسفي لمجسم «غريب»، اتضح لاحقا أنه أداة علمية تدخل في إطار أدوات وتقنيات البحث العلمي التي تجمع المعطيات من محيطها حول حالة البحر لكي تستعمل لاحقا إما في الملاحة البحرية، أو البحث العلمي.
هناك من ذهب بعيدا وقال إنها أداة تجسس أجنبية، بينما آخرون قالوا إنها رسالة واضحة من الكائنات الفضائية، وإن كورونا سوف يليه مباشرة غزو فضائي. والحقيقة أن المغرب آخر بلد يحق لمواطنيه أن يستقبلوا مثل هذه الاكتشافات، خصوصا في السواحل. إذ إن الكنوز الحقيقية التي غرقت في ساحل المحيط الأطلسي والبحر المتوسط، يمكن أن تصنف من بين «الغرائبيات» فعلا.
إذ إن هناك بواخر تعود لعهد الاستكشافات الأولى، التي انطلقت من البرتغال وإسبانيا واختفت في السواحل المغربية ولم يظهر لها أثر، وتضم مقتنيات ومخطوطات وآثار لا تقدر بثمن.
أما خلال فترة الحرب الباردة خلال السنوات الستين الأخيرة، فقد عرفت مرور الطائرات الخارقة فوق الأجواء المغربية، في إطار مراقبة المحيط الأطلسي، مخافة أن تتعرض الولايات المتحدة لقصف مباغت من الروس. إذ كانت طائراتها التي تخترق سرعة الصوت تمر بين الفينة والأخرى فوق القرى المغربية، بعد منتصف الليل، وهناك من ذهب وقتها إلى القول إن «الملائكة» تتصارع فوق سوق الأربعاء الغرب، أو قرب مغارة هرقل، بينما كان الأمر في الحقيقة يتعلق بطيارين يحلقون في الأجواء بسرعة، لا يمكن معها رؤية الطائرة ولا أضوائها نهائيا.
هناك وثيقة في أرشيف السفارة الأمريكية في الرباط تعود إلى سنة 1973، تؤكد أن السفير تم إخطاره بمراسلة عممت في الإدارات المغربية كان مصدرها شكايات وإخباريات من مواطنين مغاربة إلى أعوان وزارة الداخلية، أكدوا لهم فيها أنهم رأوا أطباقا طائرة تحلق في السماء، وخرج بعض المسيطرين على الزوايا والأضرحة، وطلبوا من الناس القيام بمجموعة من الطقوس لطرد الأرواح الشريرة.
السفير الأمريكي نفسه لم يكن يعلم ما يقع، حيث إن الأمر كان يتعلق بمناورات عسكرية للطيران الأمريكي من قواعده في إسبانيا، بعد وصول أخبار تزعم أن السوفيات سوف يضربون الولايات المتحدة بصواريخ عابرة للقارات.
وحتى قبل عصر الطائرات جاء رجل إلى مدينة طنجة، بعد أن عبر إليها من مضيق جبل طارق، وحمل معه كاميرا بأرجل خشبية. وكانت تلك من المرات الأولى التي تصل فيها آلة التصوير إلى السواحل المغربية، بعد سنة 1880، التي يرى فيها سكان البوادي المطلة على جبل طارق «كاميرا» بشكل مباشر.
وكان أحد شيوخ القرى المجاورة للمنطقة التي يوجد بها اليوم ميناء طنجة المتوسط، يزعم أن الرجل الأوروبي ما هو إلا ساحر يريد قتل المسلمين، خصوصا وأنه وجه آلة التصوير الخاصة به صوب رجل كان يرعى الغنم. وهذه الواقعة حكتها صحيفة «غرائبيات من إفريقيا»، وهي مجلة كانت تصدر في بريطانيا أسبوعيا ويساهم فيها مراسلون من مختلف الدول والمستعمرات البريطانية، في عدد ليوم 15 يونيو 1886، على لسان المصور، إذ أكد أن ذلك الفقيه خرج من مسجد القرية ويصيح في الناس بعد أن رأى المصور يحاول التقاط صورة للراعي، ويطلب منهم الاحتماء بالمسجد، مؤكدا أن الساحر الذي يحمل اللعنة على أرجل خشبية ويغطي رأسه بمنديل، إنما يبعث نوعا من السحر الأسود يصيب كل من استهدفه بلعنة قاتلة، وأن مصير كل الذين وجه آلته نحوهم هو الموت.
لا نريد أن نقول هنا إن داء العطب قديم. فالناس في النهاية معذورون عندما يتعرفون على الكاميرا لأول مرة. لكن أن يقول مغاربة اليوم عن كرة بمجسات للبحث العلمي إنها رسالة من الكائنات الفضائية، ويلتقطوا لها صورا بهواتف نقالة مرتبطة مباشرة بشبكة الإنترنت، بل وبكاميرتين أمامية وخلفية، فإن الفقيه الذي عاش في القرن التاسع عشر، يبدو صادقا في النهاية. ألم يمت كل من وجه المصور آلة التصوير نحوهم؟