مركز الدراسات الامريكية والعربية
تسارع وتيرة انتشار وتنوع الأوبئة المعدية عالمياً، منذ مطلع الألفية الثالثة، يفرض جملة تساؤلات عن حقيقة جذورها العلمية، بالدرجة الأولى، والأبعاد السياسية والاستراتيجية المترتبة على البشرية جمعاء من توجهات الدول المنتجة لترسانات الأسلحة البيولوجية، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
في مثل هذه الأيام من شهر يناير 2012، فشل مؤتمر دولي عقدته الأمم المتحدة في جنيف لوضع آليات مراقبة على الأسلحة البيولوجية، ألقت فيه وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، خطاباً «مشجعةً الجهود الجارية لحماية البشرية من شبح الأسلحة البيولوجية»، لكنها رفضت بشدة وضع قيود دولية للتحقق من سلامة العالم.
جون بولتون سبق هيلاري كلينتون في منصبه الرسمي كمساعد وزير الخارجية لشؤون الحد من الأسلحة والأمن الدولي،2001، برفضه نظام التحقيق الذي توصلت إليه الأمم المتحدة بعد سنوات مضنية من المفاوضات، جملة وتفصيلاً، قائلاً «.. الولايات المتحدة ببساطة لن تقدم على الدخول في اتفاقيات من شأنها السماح لدول مارقة أو غيرها بتطوير ونشر أسلحة بيولوجية.»
ثلاث دول «مؤتمنة» دولياً على تطبيق معاهدة الأسلحة البيولوجية المبرمة عام 1975 بتوقيع 165 دولة: روسيا، بريطانيا والولايات المتحدة؛ لتلقي الشكاوى والتقرير في حلولها.
تنبؤ أمريكي مقلق بظهور وباء
من بين الشكاوى العلمية التي تسلمها «الثلاثة الكبار» إحاطة قدمتها منظمة إيثاكا الأمريكية، المعنية بحقوق الإنسان، يوم 9 دجنبر 2001، للمؤتمر الدولي السابع لمعاهدة الأسلحة البيولوجية؛ فحواها انتهاك الولايات المتحدة للمعاهدة نظراً لانخراطها بنشاط في تطوير برنامج أسلحة بيولوجية هجومية يجري تخزينها في «مستودعات للجيش» في شمالي ولاية كاليفورنيا و«ربما في مناطق أخرى.»
يشار إلى أن الإدارة الأمريكية آنذاك أدخلت «بند 817» على مواد قانون الباتريوت، لعام 2001، يتيح بموجبه للحكومة تطوير وتخزين أسلحة بيولوجية ونظم إطلاقها دون قيود، أي إلغاء عملي لنصوص الاتفاقية الدولية الموقعة عليها.
اللافت والمقلق في آن واحد ما «تنبأ» به نائب وزير الأمن الداخلي آنذاك، دانيال غيرستين، مخاطباً المؤتمر الدولي المذكور، المنعقد سنة 2012، بأن بلاده «تتوقع تفشي وباء مع نهاية عام 2013». شاطره «التشخيص» الطبيب جوزيف كيم في شركة اينوفيو للأدوية المنتجة للقاحات.
التنبؤ الأمريكي الرسمي بوباء قبل وقوعه أثار جملة أسئلة وتكهنات حول المدى الخطير الذي بلغه برنامج الأسلحة البيولوجية وتهديده لحياة ورفاهية أعداد كبيرة من البشر. وواكبته أوساط هوليوود بإنتاج فيلم يدعى كونتاجن Contagion(المعدي) عام 2011 يدور حول انتشار وباء مصدره الخفافيش، وفق السيناريو المعد، وهو ما يجري حالياً مع وباء «كورونا» في الصين، حيث يرجح أن الخفافيش هي مصدر الفيروس في مقاطعة ووهان.
في سياق «التنبؤ» الأمريكي تعرضت الصين عام 2013 لموجة هائلة من «أنفلونزا الطيور – H7N9،» وشرعت على الفور بإبادة ملايين طيور الدجاج وما تركته من تداعيات سلبية ليس على اقتصادها فحسب، بل على المستوى العالمي لحظر الاتجار والتعامل مع بكين؛ وهو ما نشهد تكراره هذه الأيام أيضاً.
كوبا تتهم الولايات المتحدة
أعلنت الحكومة الأمريكية، يوم 31 يناير الماضي، عن تطبيقها «تدابير جديدة لمواجهة فيروس «كورونا»، منها منع المواطنين الصينيين من دخول» أراضيها؛ وتطبيق الحجر الصحي على الأفراد الآتين من هناك.
«في العام 1971 كانت كوبا أول دولة في منطقة بحر الكاريبي أعلنت تعرضها لوباء «حمى الدنك»، يعتقد أن مصدره من إسبانيا». كان ذلك ملخص نشرة طبية صادرة عن معاهد الصحة الأمريكية المرموقة، عام 2009. كوبا بدورها اتهمت الحكومة الأمريكية بنشر الوباء الذي أصاب ثروتها الحيوانية من الخنازير ما اضطرها إلى إبادة نصف مليون رأس.
أسلحة بيولوجية لاعتبارات جيوسياسية
علمياً، يصيب فيروس «كورونا» الجهاز التنفسي للإنسان، شبيه بسابقه وباء سارس – الالتهاب الرئوي الحاد – وأصول السلالتين هي من الحيوانات انتقلت للإنسان، ومن ثم لأخيه الإنسان؛ وكلاهما ابتدأ انتشاره من الصين؛ سبقهما وباء «ميرس – متلازمة الشرق الأوسط التنفسية،» نظراً لظهوره وانتشاره في السعودية عام 2012، متسبباً بالتهاب رئوي حاد للمصاب.
يرجح بعض الخبراء في نطاق العلوم البيولوجية انخراط الحكومة الأمريكية «بتصميم هجوم بيولوجي ضد الصين لاعتبارات جيوسياسية،» بتزامن انتشار «الوباء الجديد والخطير» مع احتفالات السنة الجديدة الصينية لإلحاق الشلل بالمجتمع الصيني الذي سيستخدم غالبية كبيرة منه وسائل النقل للعودة لقراهم الأصلية.
وأعرب ريتشارد إيبرات، أستاذ علوم البيولوجيا الكيميائية في جامعة رتغرز، لصحيفة واشنطن بوست، عن شكوكه في المصدر الأمريكي نظراً لأن «جينوم الفيروس وخصائصه لا تشير إلى أنه من النوع المنتج» مخبرياً.
الصحيفة والأوساط الأمريكية بشكل عام وجهت للصين تهمة تطويرها لأسلحة بيولوجية في منشأة ووهان «لانخراطها في أعمال تجسسية للحصول على مكونات بيولوجية.»
وسجل، بداية الأسبوع الجاري، توجيه محكمة فيدرالية لائحة اتهام ضد الأستاذ في جامعة هارفارد شارلز ليبر «وشخصين من الجنسية الصينية لمحاولاتهم تهريب 21 أنبوبا بداخلها مواد بيولوجية للصين؛» وتلقي ليبر مكافأة شهرية قيمتها 50.000 دولار من جامعة ووهان التقنية، وفق لائحة الاتهام.
صلة وباءي «سارس» و«كورونا»
ما يعزز فرضيات المصدر الأمريكي للفيروس هو سياسة إدارة الرئيس ترامب المنبنية على محاربة الصين بكل الوسائل، بدءاً بالحروب التجارية، وتعرضها كذلك لسلسلة «هجمات بالجراثيم المميتة وأمراض فيروسية، وأعراض استهدفت الثروة الحيوانية والإنسان على السواء.»
وأكدت جنيفر بووي، أخصائية الأمراض الوبائية في معهد راند، الصلة الوثيقة بين وباءي «سارس» و«كورونا»، إذ تبلغ «نسبة التوافق بينهما 70% على الأقل من المادة الجينية وآليات انتقال العدوى.. بلغ معدل وفيات المصابين بوباء سارس نحو 10%، مقابل 3% لفيروس ««كورونا».»
وأثنت بووي على شفافية العلماء والحكومة الصينية «ومشاركة الصرح العلمي الدولي ببيانات جينوم الفيروس،» وتوصلهم لمعرفة المسببات خلال فترة زمنية قصيرة، لا تتعدى بضعة أيام، مما سيسهم في استنباط لقاح فعال قريباً.
من حهتها، أعربت دينا غرايسون، خبيرة الأوبئة الأمريكية، عن قلقها من جملة حقائق تحيط بفيروس «كورونا»، سيما السرعة العالية لانتشاره من شخص لآخر، «فهو ليس معدياً فحسب، بل يميت المصاب..»، بحسب الخبيرة غرايسون التي تملك خبرة طويلة في تطوير عقاقير لمعالجة وباء «إيبولا».
جدير بالذكر أن فيروس «كورونا» منتج أمريكي بامتياز، وفق سجل الاختراع المقدم عام 2015، والذي نال الموافقة عليه عام 2018.
وفي السياق عينه، ثمة حوادث غريبة «منفصلة» استهدفت الصين مصدرها أمريكا الشمالية؛ أبرزها حادثة وصول شحنة مصدرها المختبرات البيولوجية الكندية، في شهر مارس 2019، تضم «فيروسات خبيثة،» زعم الكنديون أنها «جزء من الجهود البحثية لدعم أبحاث الصحة العامة في العالم». اللافت أن تلك الشحنة أنجزت تحت ستار من السرية بخلاف الإجراءات المعتادة، مما دفع الجانب الصيني إلى تقديم شكوى رسمية بذلك.
هذا ووصل وفد عسكري أمريكي كبير، قوامه 300 فرد، إلى مدينة ووهان في مقاطعة هوبي الصينية يوم 19 أكتوبر 2019، للمشاركة في مهرجان ألعاب عسكرية استضافتها الصين تعقد هناك. وفي الثاني من نونبر 2019، تم تسجيل أول إصابة بفيروس «كورونا» في تلك المقاطعة، وانتشرت لاحقاً بسرعة في شهر دجنبر. علمياً، فترة حضانة عدوى «كورونا» هي 14 يوماً.
كلفة ما تعرضت له الصين جراء الوباء باهظة بكل المقاييس: تعطل رحلات الطيران وحركة القطارات والمواصلات الأخرى في أوج أكبر وأهم أعيادها السنوية؛ وفرض بلدية ووهان المنكوبة حظر مغادرة البلدة لسكانها «إلا لأسباب اضطرارية؛ وبناء مشفى متنقل خلال خمسة أيام للمصابين بالفيروس خصيصاً؛ وتعطل الحياة اليومية والتبادلات التجارية الهائلة مع العالم».
بالمحصلة، من يستطيع الإجابة عن تساؤل هوية المستفيد من كل ذلك بوسعه الوصول لصلب الموضوع: شن حروب بالأسلحة البيولوجية أدنى كلفة من الاشتباك النووي.