شوف تشوف

الرأيالرئيسية

خارج المستطيل الأخضر..

لحُسن الحظ أن مدينة طنجة، التي تستقبل هذه الأيام جحافل مشجعي الأندية العالمية، تتوفر على مكان اسمه «برج النعام» حيث يوجد «فضاء عرض ذاكرة ابن بطوطة» للتعريف بمسار وأثر هذا الرحالة الذي وصل إلى العالمية.

بعض المشجعين الأمريكيين الذين حلوا بالمدينة لمتابعة مباراة فريق «سياتل ساوندرز» في إطار منافسات كأس العالم للأندية الذي تحتضنه المدينة، ذهبوا فعلا ليبحثوا عن ضريح ابن بطوطة في مدينة يجهل الكثيرون من سكانها أهمية «الكنوز» التي تقبع في أحياء المدينة القديمة والقصبة وأسوار البنايات المطلة على البحر.

ولّى الزمن الذي يأتي فيه الناس ليناموا في الفنادق ويتجهوا صوب الملاعب ومنها إلى المطارات، وأصبح السياح اليوم يجرون أبحاثهم قبل السفر ويحددون الوجهات التي يرغبون في زيارتها بناء على تصويت السياح الذين سبق لهم زيارة المعالم نفسها. لم يعد أحد ينتظر كُتيبات الفنادق ولا اقتراحات موظفي مكاتب الاستقبال.

ولأن برج النعام مفتوح منذ فبراير من العام الماضي، فإن السياح الأجانب ومشجعي الفرق المشاركة لديهم الآن، على الأقل، فرصة لزيارة مكان يشهد على قصة ابن بطوطة ومساره وإنجازه غير المسبوق في تاريخ الإنسانية.

حتى أن البروفيسور «توم بلاكسميث»، الأستاذ في علم اللسانيات، الذي سبقت له زيارة طنجة قبل شهرين تقريبا، قال، في جلسة مع بعض المهتمين المغاربة، إن كل إنسان يركب اليوم الطائرات ويخصص وقته لزيارة البلدان، لا بد وأنه مُصاب ببعض فقط مما أصيب به ابن بطوطة المغربي قبل سبعة قرون.

بعض المشجعين العرب الذين جاؤوا ليشجعوا نادي الهلال السعودي، كانوا يسألون الناس في المطاعم عن مكان وجود قصر «بيرديكاريس». والسبب أنهم شاهدوا مقطعا لمرشد سعودي قرب القصر وهو يشرح لبعض السياح تاريخ القصر وقصة بنائه وسط الغابة المطلة على البحر المتوسط. ورغم أن شروحات الرجل كانت تتخللها أخطاء كثيرة، إلا أنها كانت كافية لكي تسلط الضوء لدى السياح القادمين من بعض الدول العربية لكي يتملكهم الفضول في التعرف على «قصر بيرديكاريس» الثري الذي شغل الرأي العام الأمريكي قبل أكثر من 120 سنة، عندما اختطفه الشريف الريسوني هو وزوجته وطلب من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية فدية مقابل إطلاق سراحهما. إذ إن الريسوني أرسل بعضا من رجاله لكي يقتحموا القصر القابع وسط الغابة ويحتجز بيرديكاريس فيه ويحثه على الكتابة إلى بلاده لكي يطلب أداء المال للريسوني. وكان «ثيودور روزفلت»، وقتها، في خضم الإعداد لحملته الانتخابية في السباق على الرئاسيات، فوعد الأمريكيين عبر الصحف، إن هم صوتوا عليه ليصبح رئيسا للبلاد، أن يطلق سراح «بيرديكاريس» وأسرته، أو يقتل الريسوني، وأطلق وقتها شعارا ذكيا تم تداوله في الصحافة الأمريكية على نطاق واسع: «بريديكاريس حيا أو الريسوني ميتا».

لم يمت لا هذا ولا ذاك، وأطلق سراح بيرديكاريس، ذي الأصول اليونانية، وأسرته في ماي 1904، ونجح «روزفلت» في الانتخابات وخرج الجميع رابحين.

الريسوني نال ما أراده وازدادت شهرة الثري الأمريكي وجاء الكثيرون إلى طنجة لكي يقابلوا الرجل الذي نجا من الموت، رغم أن الشريف الريسوني أكد، لعدد من الصحافيين الأجانب الذين زاروه بعد الواقعة، أنه لم يمس بيرديكاريس ولا زوجته ولا صديقه بسوء نهائيا، بل وفر لهم كل وسائل الراحة داخل القصر طيلة فترة احتجازهم داخله، وصار صديقا مقربا للأسرة بعد انتهاء الأزمة.

مشجعو الفرق العالمية، الذين جاؤوا هذه الأيام إلى طنجة، يهمهم جدا أن يروا ما يوجد خارج المستطيل الأخضر. ولو أنهم أرادوا متابعة المباريات فقط لما تكبدوا عناء السفر وتغيير الطائرات حول قارات العالم للوصول إلى طنجة. وربما هذه أنسب فرصة لكي نُعيد تذكير العالم بأن طنجة الدولية لا تزال على قيد الحياة، وأن الشمس لا تزال تغرب عندنا هنا، في المغرب، وليس في أي مكان آخر. 

يونس جنوحي
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى