حين يصحو التنين الصيني
نبيل نايلي
«ليس هناك من قوة بإمكانها زعزعة أسس هذا البلد العظيم. ليس هناك من قوة قادرة على منع الأمة الصينية من التقدم»، الرئيس الصيني شي جين بينغ. جاء ذلك في كلمة ألقاها الرئيس الصيني خلال الاحتفالات بمرور 70 سنة على تأسيس جمهورية الصين الشعبية. من بوابة «تيان آن مان» -المكان نفسه الذي أعلن منه ماو تسي-تونغ في الأول من أكتوبر 1949 قيام الجمهورية الشيوعية- قال شي بزهو: «ما من قوة يمكنها أن تهز دعائم أمتنا العظيمة. ما من قوة يمكنها أن تمنع الشعب الصيني والأمة الصينية من المضي قدما»! عرض عسكري «رسالة» مضمونة الوصول بدأ بإقامة مراسم رفع العلم الوطني، حيث تم إطلاق 70 طلقة مدفع. وخلال رفع العلم، أنشد الحاضرون النشيد الوطني على أنغام الفرقة العسكرية، فيما حلق سرب جوي فوق ميدان تيان آن مان مرافقا أعلام الحزب الشيوعي الصيني والدولة وجيش التحرير الشعبي.. شي دعا إلى مواصلة الجهود لتحقيق إعادة توحيد البلاد بشكل كامل، قائلا: «في رحلتنا إلى الأمام، يجب علينا التمسك بمبادئ «إعادة التوحيد السلمي» و«دولة واحدة ونظامان»، والحفاظ على الرخاء والاستقرار الدائمين في هونغ كونغ وماكاو، وتعزيز التنمية السلمية للعلاقات عبر المضيق- تايوان، وتوحيد جميع أبناء وبنات الصين، ومواصلة السعي من أجل إعادة توحيد الوطن الأم بشكل كامل»، مؤكدا أن «الصين سيكون لها بالتأكيد مستقبل أكثر إشراقا».
لم يغفل شي الواقع الدولي وضرورات التعاون في كنف قواعد الربح المزدوج فقال: «سنواصل العمل المشترك مع كافة البلدان على بناء مجتمع يربطه مصير واحد».
إن مشاركة حوالى 15 ألف جندي، و580 آلة عسكرية، و160 طائرة ومروحية في أكبر استعراض عسكري ليس اعتباطيا تماما، كما أن عرض الصاروخ البالستي العابر للقارات DF –«دونغ فنغ-41»، الأحدث والأبعد مدى من نوعه في العالم! ليس لمجرد التقاط الصور! تصريحات الزعيم الصيني رسائل مُوجّهة إلى من يهمّه الأمر في واشنطن قبل غيرهم، في ظل «حربهم» التجارية واسعة النطاق التي يشنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، معتبرا «توسع» الصين التجاري خطرا على اقتصاد بلاده! على صانع القرار الأمريكي أن يتدبر مليا تصريحات وزير الدفاع الصيني وي فنغ خه -في كلمة أمام منتدى أمني في سنغافورة- التي جاء فيها: «إذا كانت واشنطن تريد الحوار، سنُبقى الباب مفتوحا. أما إذا كانت الولايات المتحدة تريد حربا، فسنقاتل حتى النهاية»! محذرا في الوقت ذاته: «الجانبان يدركان أن الصراع، أو اندلاع حرب بينهما، سيكون كارثة بالنسبة إلى البلدين وللعالم». هل أن قدرنا «المحتوم» هو القبول بمستعمر جديد تحت مسميات جديدة، أم أن الصينيين هم أخف الضررين؟ أليس بإمكاننا استعادة مُقدّرتهم ومقدّراتنا والنأي بعيدا عن دائرة الاستقطاب الثنائي.. الأمريكي-الصيني؟ حتى لا يقال لنا إننا نستبدل هيمنة أمريكية بأخرى صينية، نعيدها، مرة أخرى، لا مفاضلة، لدينا، بين تبعية وأخرى كما لا خيار بين هيمنة وأخرى. آن الأوان لأن نراعي مصالحنا الحيوية القومية، وإذا كان الصينيون سيوفرون علينا الوقت والجهد، وقد خبرنا بما فيه الكفاية الأمريكيين خلال كل هذه السنوات العجاف، فلنوظف تناحر القوتين وتكالبهما على منطقتنا بما يضمن نهوضنا لا استعبادنا! ألا نفعل نكون كمن يرهن أمن الأمة بمصير الولايات المتحدة في ظل انحسارها الاستراتيجي، لنتائج ومضاعفات المعادلة جيوسياسية العالمية المطلة برأسها، ويحشرها كرها ضمن من نعتهم بريجنسكي نفسه في مقاله: عالم ما بعد أمريكا After America، بـ«الأنواع المهدّدة بالانقراض Endangered Species»! أين يقف العرب من مواجهة أمريكية-صينية مؤجلة كانت أم محتومة؟ وماذا يمكن أن يجنوه من تنافس مرشح أن يتحول إلى تناحر بين الولايات المتحدة والصين؟ تصاعد حدة التوتر بين الصين والولايات المتحدة زمن انعطافتها نحو المحيط الهادي، بخصوص أحد ممرات الملاحة الأكثر استراتيجية في العالم، ينذر باندلاع أزمة قد تعجل بمواجهة مؤجلة. جاف بادر Jeff Bader، أحد مستشاري الأمن القومي، يختزل مستقبل العلاقة الصينية كأبلغ ما يكون بتصريحه: «بين قوة قائمة وقوة صاعدة نادرا ما تنتهي العلاقات بشكل ودي»!
فهل تكتفي القوتان بعلاقة «الصداقة اللدودة» أو ما يسميه الأمريكيون:Frenemy «في دمج بين متناقضين، نصف صديق نصف عدو»؟ الصينيون لا شك يتمثلون حكمة منظرهم الاستراتيجي العسكري الأشهر، سون تزو: «أخضع عدوك دون قتال… كل الحروب تقوم على الخداع» !