شوف تشوف

الرئيسية

حين كاد والد فيكتور المالح أن يطرده من العائلة لأنه قرر الارتباط بيابانية

تزوج فيكتور المالح، إذن، من سونو. لكن هذا «الإنجاز» لم يكن سهلا. بل كان عصيبا ومُكلفا. أول امتحان حقيقي في حياة فيكتور المالح، إدخال «سونو» إلى العائلة. كانت معروفة في الوقت الذي تعرف عليها، وتعمل في مجال الاستعراض وتحترف رقص الباليه في واحدة من أشهر الفرق الاستعراضية على الخشبة. في الحقيقة كان الأمريكيون يتابعون هذه العروض بشغف كبير، وتحظى لديهم بشعبية كبيرة جدا، سواء في المسارح أو على شاشات التلفزيون. جد فيكتور المالح وأخواله، كانوا ضد هذا الزواج. أما والده رافاييل المالح الذي كان يستقر في الصويرة، فقد غضب غضبا شديدا وطوى البحر بين المغرب ونيويورك لكي يُثني ابنه عن الاستمرار في تلك العلاقة رافضا زواجه من فتاة ليست يهودية.

من تكون سونو أوساتو؟
كانت لديها شهرتها في أربعينيات القرن الماضي. وفيكتور المالح، زوجها، مدين لها ببعض علاقاته بمشاهير السينما الذين باعهم عقارات بملايين الدولارات في أحياء نيويورك الراقية.
كانت تجيد التمثيل، وهذه الموهبة هي التي ضمنت لها مكانا في الصف الأول للوجوه التي راهنت عليها أكبر شركتين للاستعراض في نيويورك. يتعلق الأمر بـ«باليتس روس دو مونتي كارلو» و«أميريكان بالي تياتر». كان أداؤها مزيجا من رشاقة الباليه وتقمص الممثلين الكبار للأدوار. حتى أنها كانت لافتة للنظر في عيني مُخرج الفيلم الذي أدى بطولته أيقونة الموسيقى الأمريكية في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، فرانك سيناترا، الذي لا تزال أسطواناته تحقق الأرباح إلى اليوم، رغم مرور عقود طويلة على خفوت صوته إلى الأبد. مشاركة «سونو» مع «سيناترا» البطولة كان مدعاة لافتخار فيكتور المالح، بينما كان الأمر نقمة على عائلته اليهودية المحافظة.
كانت ابنة عائلة «أوساتو»، المزيج بين أوربا العليا واليابان في أقصى آسيا، محترفة في عالم الاستعراض منذ ثلاثينيات القرن الماضي. وفيكتور المالح كان يحب راقصات الباليه، وهو ما اعترف به. ولعل من المفارقات في علاقتهما، أنهما معا ينحدران من أسرتين هاجرتا إلى أمريكا، ومن مزيج حضاري فريد. فوالدة فيكتور المالح كانت أمها مغربية لكن والدها كان روسيا. بينما فيكتور المالح كان صناعة مغربية خالصة. وتزوجا في نفس الأسبوعين اللذين كان فيهما الأمريكيون غاضبون من كل ما هو ياباني بسبب قصف قاعدة «بيرل هاربور» وسقوط ضحايا من الأمريكيين برصاص وصواريخ الطائرات اليابانية المقاتلة التي هاجمت الجزيرة بشكل مباغت. كان هناك سخط شعبي كبير في أمريكا على كل من يحمل وجها آسيويا. لكن فيكتور المالح مضى في علاقته بالفتاة التي أحبها، بملامحها اليابانية وتزوجا في نفس اليوم الذي كانت فيه البلاد تعيش جوا من التوتر. عندما توفيت «سونو» في سنة 2018، كانت قد تركت خلفها حياة احتل فيها فيكتور المالح حيزا كبيرا. فقد كانت آخر الرقصات التي أدتها، سابقة لارتباطها به بفترة قصيرة. لم تكن مجبرة على الاختيار بينه وبين فنها، لأنه كان الداعم الأول لها باستمرار لكي تستمر في الظهور فوق الخشبة. عندما كان فيكتور المالح يبيع لوحاته بملايين الدولارات في معارضه التي كانت تقام في ممتلكاته الفسيحة والشاهقة تحت سماء نيويورك، كانت هي تتذكر له، وسط الضجيج، أنه كان يعيلها في بيت صغير ودافئ في نيويورك، بدولارات معدودة آخر الشهر. إنهما معا قصة نجاح نادرا ما تتكرر.
عاشت سونو أوساتو، التي احتفظت باسمها القديم، 99 سنة كاملة، تركت خلفها ابنين من فيكتور المالح، وحفيدة تشبه جدتها في كل شيء، حتى أنها حملت اسمها تماما.

امتحان عسير
بالعودة إلى سنة 1943، التي كان فيها على فيكتور المالح أن ينتصر لقرار زواجه بعيدا عن رغبة العائلة، فإن الذكرى لم تكن سعيدة بالمرة. وكلما تذكرها فيكتور المالح في آخر حياته، كان يشعر بشيء من الامتنان لصلابة «رأسه» وفورة الشباب التي اعترته وسيطرت عليه لكي يتحدى، أكثر الرجال تمسكا بالتقاليد اليهودية وتعاليم العائلة. لقد تحدى فيكتور المالح رجلين هما والده وجده لأمه. وكلاهما كانا من اليهود الأكثر انغلاقا، رغم أن الجد كان قادما من روسيا إلى المغرب ثم رحل إلى أمريكا، إلا أنه كان يحمل معه الكتاب المقدس ولا يتحدث إلا العبرية، إن تحدث. فقد كان يحب الصمت ولا يجيد الابتسام، وركز في حياته كلها على تلقين أبنائه تعاليم الدين واستظهار الصلوات والحفاظ على الأعياد والطقوس ومعاقبة، إن لزم الأمر، كل من يتهاون.
أما والده «رافاييل» المالح، فقد كان مغربيا في كل شيء. محافظا، ولديه أصدقاء مسلمون كثر يشاركهم التجارة والجوار، لكنه كان يرفض رفضا قاطعا أن يتم زواج بين يهودي، خصوصا إن كان ابنه، وفتاة من قومية أخرى ولا تدين بالديانة اليهودية.
عندما علم رافاييل المالح، حسب ما رواه فيكتور المالح نفسه، أن ابنه فيكتور، المهندس، سيتزوج من فتاة تعمل في مجال الاستعراض وترقص الباليه، كاد أن يُجن. حتى أنه انفعل وهدد ابنه في رسالة بأن يقاطعه مدى الحياة. لكن فيكتور المالح كان مصرا على المضي قدما في علاقته بالسيدة التي أحبها.
شرح لاحقا وجهة نظره في الموضوع قائلا إنه لم يكن يحس نهائيا بأي اختلاف عن «سونو» التي كان والداها أيضا قادمين من بقعتين متباعدتين تماما. كان الجميع في أمريكا مهاجرين. وهذا ما جعل فيكتور المالح ينظر إلى الأمر بطريقة أخرى.
اعترف أيضا بأن جده كان متطرفا جدا. والداه كانا أقل تطرفا، ليس لأنهما كبرا في المغرب وعاشا فيه وينتميان إليه، ولكن أيضا لأنهما كانا غير متشددين كثيرا في الممارسة الدينية. أما الجد الروسي «ليفي» فقد كان متطرفا ومنغمسا في العزلة عن الأديان والحضارات الأخرى، حتى أنه لم يتخذ لنفسه أي أصدقاء عندما جاء إلى أمريكا. وكان فيكتور المالح يمازح جدته، حسب ما قال أثناء استحضاره للذكريات، يسألها ماذا أعجبها في جده الذي لم يكن يفصح كثيرا عن أحاسيسه وانطباعاته.
لقد كاد فيكتور المالح أن يُطرد خارج العائلة ويقاطعه الجميع بسبب إصراره على الزواج من «سونو». وقبل أن نصل إلى تفاصيل الطريقة التي اعتمدها لكي يُتم زواجه بالشابة «سونو»، يجب أولا أن نتوقف عند قصة توثيق الزواج.
بحكم أن فيكتور المالح كان يعيش في أمريكا وحاصلا على الجنسية الأمريكية، فإنه لم يكن يحتاج إلى موافقة العائلة أو أي وثيقة من أحد لكي يوثق زواجه. وبالتالي فإن اعتراض العائلة كان مشكلا نفسيا فقط وليس إداريا.
المشكل الأكبر برز عندما اكتشف فيكتور المالح أن ملامح زوجته، بحكم أن والدها ياباني، وبالتالي فإنها تحمل الجنسية اليابانية، لن يكون بمقدورها السفر إلى حيث يمكنه توثيق الزواج منها. لأن بعض الولايات الأمريكية كانت تمنع كليا الزواج المختلط فوق أراضيها. سياق الحرب سيطر على كل شيء. وكان عليهما أن يغادرا إلى ولاية أخرى لكي يوثقا زواجهما. لكن المشكل أن «سونو» لم يكن لديها الحق في السفر والتجوال إلى بعض الوجهات داخل أمريكا، لأنها يابانية. فحتى قبل أن تغادر العمل، كان عليها أن تبقى في نيويورك بينما كانت الفرقة تتجه إلى كاليفورنيا لأداء عروض فنية ولم يكن بمقدورها الذهاب معهم لأنها يابانية.
لم تكن الجغرافيا وحدها ضد فيكتور المالح، كان أمامه طريق طويل من المطبات ليقطعه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى