في أواخر سنة 1969 بدأت أتدرب مع كبار سباق الدراجات، وعمري لا يتجاوز، حينها، 17 سنة، وتمكنت من الفوز بثلاثة سباقات، خاصة في مدار الدار البيضاء- ابن سليمان. حينها سيوجه لي الحاج محمد بهلول الدعوة للانضمام إلى المنتخب الوطني، الذي كنت أصغر عنصر في صفوفه وأنا طالب في الإعدادي.
بعد حصولي على شهادة الباكلوريا، لم أنقطع عن ممارسة رياضة سباق الدراجات، كنت أتردد باستمرار على محلات بيع قطع الغيار من أجل صيانة دراجتي. وفي أواخر ستينيات القرن الماضي بدأت ملامح مشروع بطل تظهر، خاصة وأنني كنت مؤطرا من طرف الكورش وعبد الله قدور ولشهب، وكان لا بد لي أن أظهر مهاراتي في ركوب الدراجات. كان إصراري كبيرا على أن أظل مجتمعا بالكوكبة وأبرهن عن إمكانياتي في هذا النوع الرياضي.
هل شجعك والدك على ممارسة هذه اللعبة داخل ناد رسمي؟
والدي كان محافظا ولكنه كان يعاملني معاملة خاصة، لأنني كنت الابن الوحيد من بين أخواتي البنات، لو لم يشجعني لما اشترى لي دراجة سباق، لكنه كان يتابعني ويساعدني على بلوغ أحلامي. والدي، رحمه الله، باع قطعة أرضية في أولاد حدو سنة 1959 وتوجه إلى الديار المقدسة حيث قضى ثلاثة أشهر في فترة كان السفر إلى الحج يتطلب مدة طويلة.
بعد التحاقك بالنادي البلدي البيضاوي، هل استكملت مشوارك التعليمي أم انقطعت؟
النادي البلدي، كما يعرف الجميع، مؤسسة رياضية متعددة الفروع تابعة لجماعة الدار البيضاء، كان المهندس بلمجدوب هو الرئيس الفعلي وكان يشغل مهمة رئيس قسم التصميم في عمالة الدار البيضاء، كانت عمالة واحدة تشرف على الدار البيضاء قبل التقسيم. في تلك الفترة، وبعد تألقي وطنيا، اقترح علي مصطفى العلوي، عامل عمالة الدار البيضاء، الاشتغال في العمالة ووافقت طبعا، سيما أن رئيسي المباشر حينها كان هو بلمجدوب رئيسي في النادي. بدأت العمل وكان معي في القسم نفسه اللاعب الدولي مصطفى يغشا الذي سيحترف لاحقا في سويسرا، لكن الراتب كان هزيلا إذ لم يتجاوز 600 درهم شهريا.
هل غيرت الوظيفة؟
كنت أبحث عن مهنة فيها إجازة طويلة، فقررت الالتحاق بالتعليم، خاصة وأنني حصلت على شهادة الباكلوريا من ثانوية عبد الكريم لحلو. التحقت بمركز عين السبع لتكوين الأطر الرياضية، وتخرجت مدرسا لمادة التربية البدنية ليتم تعييني في ثانوية القسطلاني بدرب مارتيني، ما منحني فرصة استغلال العطلة السنوية للمشاركة في سباقات بأوروبا. قضيت في القسطلاني سبع سنوات من 1980 إلى 1987 السنة التي ذهبت فيها للخليج العربي.
كيف جاءت فكرة المشاركة في طوافات بأوروبا؟
طواف المغرب للدراجات كان يحتل الرتبة الثالثة عالميا وراء طواف السلام بأوروبا الشرقية وطواف المستقبل بفرنسا. سبقني إليه مجموعة من أبطال الدراجة المغربية، على غرار الكورش وفاراق. شاركت في طواف المستقبل بفرنسا وكان مخصصا للدراجين الشباب أقل من 25 سنة أو الهواة. شاركت في سباق السلام الشهير، الذي كان يعبر، حينئذ، جمهورية ألمانيا الديمقراطية وتشيكوسلوفاكيا وبولونيا، وشاركت، أيضا، في طواف المستقبل وجلت بدراجتي في طرقات فرنسا. تصور أنه بمجرد انتهاء الموسم الدراسي كنت أجمع حقائبي وأسافر إلى أوروبا.
لكن مسيرتك ظلت أسيرة الهواية..
ظلت مسيرتي حبيسة الهواية لعدم توفر شروط الممارسة الاحترافية آنذاك في المغرب، فيما رفض والدي عدة عروض للتجنيس بفرنسا والممارسة الاحترافية، مغلبا الحس الوطني على طموحي الاحترافي. أذكر أنني راسلت والدي من فرنسا وقلت له إن المسؤولين الفرنسيين عرضوا علي الاحتراف، وتوصلت منه برسالة جوابية.
هل شجعك الكورش على الاحتراف؟
طواف المغرب مرآة الأبطال المغاربة، كان يحظى بمتابعة جماهيرية واسعة في المدن كما في القرى، سواء من خلال احتشاد الجماهير عبر الطرقات التي تمر منها قافلة الطواف لمشاهدة نجوم المنتخب المغربي، أو بمتابعة أطواره عبر الأثير من خلال نقل مباشر كان يؤمنه وقتها بشكل خاص كل من عبد اللطيف الغربي وأحمد الغربي، والحسين الحياني وعبد اللطيف الشرايبي. الكورش هو الذي جعلني أدخل عالم سباق الدراجات وفوزه بطواف المغرب حوله إلى أسطورة، بل إن اسمه ترسخ في ذاكرة كل المغاربة بوصفه واحدا من أبطال المغرب في سباق الدراجات، إذ حصل على لقب طواف المغرب ثلاث مرات (سنوات 1960 و1964 و1965)، وكان منافسا قويا للدراجين الإسبان والفرنسيين، قبل أن ينافسه على هذا اللقب المغربي الآخر عبد الرحمن الفارق.
لكن الطواف المغربي فقد توهجه..
طواف المغرب كان يحظى بمتابعة كبيرة جدا، كنا نقطع أزيد من 1540 كيلومترا، ويغطي مدنا ومناطق في مختلف أرجاء الوطن. للأسف اصطدم ببعض الإكراهات، ما فرض وقف تنظيمه منذ سنة 1993 إلى غاية سنة 2001، ليعود بعدها بقوة ويشكل إحدى التظاهرات الرياضية الأكثر جاذبية في المغرب بعد كرة القدم.
