حسن البصري
قبل سنوات خلت، كان أغلب الوزراء ينتمون إلى طبقة بورجوازية، وحين تنتهي فترة استوزارهم يعودون لممارسة حياتهم المهنية، أو يجنحون إلى تقاعد مريح دون أن يحصلوا على درهم من عائدات الخدمة في المجلس الحكومي.
لم يكن منصب الوزير حينها مدرا للرزق، بل كان مرادفا للوجاهة وجسرا لمربع النخب السياسية، وغالبا ما كانت الحقيبة الوزارية مهمة تفضيلية وتتويجا لمسار سياسي أو علمي لامع. وكلما انتهت صلاحية وزير يسلم السلطة إلى أصحابها، ويتحول إلى مجرد مواطن يحمل لقب «إكس» وزير.
تغيرت الأحوال، وأصبح الوزير يضخ مالا في أثناء الممارسة وبعدها، بل إن تعويضات نهاية الخدمة التي يتسلمها الوزراء مثار جدل واسع لدى الرأي العام الوطني، حيث يحصل كل وزير منتهي الصلاحية السياسية على تعويض مالي يسمى من باب السخرية «نفقة الحكومة».
لا يمكن أن يعود مدرس أو موظف حكومي أو تاجر إلى مهنته السابقة التي مارسها قبل الاستوزار، من الصعب أن ينزع قبعة رجل دولة ويرتدي قبعة موظف يشتغل تحت إمرة مدير، غالبا ما يمتنع الوزير المنتهية صلاحيته عن العودة إلى وظيفته القديمة، فيلجأ إلى مسطرة التقاعد النسبي. كي يظل محافظا على قيمته الاعتبارية بعد أن سقطت عنه صفة «معالي».
يرى بعض المحللين السياسيين، كعمر الشرقاوي، أن إعادة كثير من الوزراء إلى القسم لتدريس أبناء الشعب تبدأ بإلغاء معاشاتهم كوزراء، فيما يرى محللون آخرون أن قيمة التعويض هزيلة، ويبررون موقفهم بكون أغلب الوزراء المشتغلين في مهن حرة كالطب والمحاماة يفقدون زبناءهم عند الاستوزار، وهو ما ينطبق على أصحاب المقاولات الذين يستأنفون نشاطهم بوتيرة بطيئة، ناهيك عن حالة التنافي التي تفرض على كثير من المسؤولين الحكوميين الاستقالة من مهامهم، على غرار عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، الذي لا يمكنه الجمع بين الوزارة وإدارة مكتبه. فيما دعا آخرون إلى إلغاء جميع الامتيازات، على اعتبار أن الاشتغال في الوزارة يدخل ضمن الصالح العام.
العثماني يغادر الحكومة ويستقيل من الحزب ليتفرغ لعيادته
كلما غادر سعد الدين العثماني التشكيلة الحكومية، سواء كان وزيرا للخارجية أو رئيسا للوزراء، إلا وشده الحنين إلى عيادته الطبية باعتباره طبيبا نفسانيا، بل إنه غير مرارا مقر عيادته التي يضطر إلى إغلاقها كلما انضم إلى التشكيلة الحكومية، حيث إن عيادته الأولى كانت بالدار البيضاء، قبل أن يغلقها حين أصبح وزيرا للخارجية، وعندما غادر منصبه وحل محله صلاح الدين مزوار، فتح عيادة جديدة في وسط العاصمة، وبالضبط شقة في الطابق الأول بعمارة قرب سينما «رويال»، علما أن عيادته السابقة بالرباط كانت موجودة في شقة مكتراة بزنقة عمان في حي حسان، وكانت زيارات الزبناء تتم بالموعد، لانشغالاته الحزبية.
حين يحمل العثماني حقيبة وزارية، غالبا ما يؤثث مكتبه في الوزارة بكتب عديدة ومتنوعة الاختصاصات، منها بعض مؤلفاته وكتبه في الفقه الإسلامي، وعندما تنتهي ولايته يحملها معه إلى مكتبة في عيادته، ناهيك عن أغراض أخرى. لم يكن سعد الدين وحده طبيبا نفسانيا، فقد تعاقب على الحكومات المغربية طبيب مختص في الأمراض العصبية في شخص الطيب الشكيلي، الذي تقلد مهمة مدير أكثر من مصلحة متخصصة في هذا المجال.
الوضع اليوم مختلف تماما بالنسبة إلى العثماني، حيث قدم إلى جانب أعضاء الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية استقالة جماعية، وذلك في أول تداعيات الهزيمة الانتخابية التاريخية التي مني بها «البيجيدي» في الانتخابات الأخيرة، بعدما هاجمه عبد الإله بنكيران، الأمين العام السابق للحزب، في رسالة خطية، حمله فيها مسؤولية الهزيمة، بل إن النيران الصديقة تطاولت على الأمين وقالت إن العدالة والتنمية «حزب كبير بقيادة صغيرة».
هذا الوضع السياسي سيجعل سعد الدين يجالس نفسه أولا، والتفكير ثانيا في العودة إلى عيادة أخرى في موقع آخر، لممارسة مهنته التي كانت بمثابة «باحة استراحة» يلجأ إليها كلما غادر مكرها مقر وزارته.
الرميد يستقيل من السياسة يوم تسليم السلط ويلتحق بمكتب المحاماة
على شاكلة زميله في حزب العدالة والتنمية سعد الدين العثماني، أعلن مصطفى الرميد، القيادي في حزب «المصباح»، اعتزال العمل السياسي والحزبي، دون الكشف عن أسباب قراره، وإن كان الدافع لا يختلف عن دوافع رفاق دربه.
اختار الرميد لحظة تبادل السلط بينه وبين خلفه مصطفى بايتاس، وقال في كلمة لوزير الدولة السابق المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، أمام الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني والناطق الرسمي باسم الحكومة: «اليوم وأنا أغادر المسؤولية الحكومية، التي استغرقت عشر سنوات، وبعد المسؤولية البرلمانية لـ14 سنة، أعتزل السياسة عموما»، مضيفا: «اليوم أعتزل العمل الحزبي كما أعلنت ذلك سابقا، شاكرا لأعضاء وقيادات حزب العدالة والتنمية ثقتهم».
جاءت استقالة الرميد، في سياق تداعيات هزيمة حزبه في الانتخابات التشريعية الأخيرة، حيث حل «البيجيدي» ثامنا بحصوله على 13 مقعدا فقط، متراجعا من 125 مقعدا فاز بها في انتخابات 2016، فضلا عن الوضع الصحي للرميد، بحسب تصريحات إعلامية سابقة له.
مباشرة بعد حفل تسليمه السلط يوم الجمعة 9 أكتوبر الجاري، توجه مصطفى الرميد، وزير الدولة السابق المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، إلى زيارة مكتبه للمحاماة بالدار البيضاء، والذي تشرف عليه إحدى بناته، حيث قرر العودة إلى ممارسة مهنة المحاماة من جديد، بعد انقطاع لحوالي عشر سنوات، منذ توليه المسؤولية الحكومية من 2012 إلى 2021. وتشير المصادر إلى أن حالته الصحية لن تسمح له بتتبع جميع الملفات، لكنه سيحرص على تتبع بعضها فقط، كما قالت مصادر مقربة من الوزير المنتهية ولايته.
وكان الرميد قد لوح بالاستقالة من حزب «المصباح» في شهر يونيو الماضي، وقالت مصادر إعلامية محسوبة على الحزب إن استقالة الرميد «تعود لسببين، الأول صحي ويعود لخضوعه لعمليتين جراحيتين وتفضيله الخلود إلى الراحة، والثاني سياسي يعود إلى خلافه مع سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة السابق، حول تدبيره لعدد من الملفات».
اعمارة.. الحنين إلى العمل في منظمات دولية
كتب عبد القادر اعمارة، وزير التجهيز والنقل واللوجستيك والماء السابق، تدوينة وداع على صفحته الفايسبوكية، جاء فيها: «بعد حوالي عشر سنوات من العمل الدؤوب على رأس ثلاثة قطاعات وزارية: التجارة والصناعة والتكنولوجيات الحديثة، ثم الطاقة والمعادن والماء والبيئة والتجهيز والنقل، ثم اللوجستيك، بالإضافة إلى تحمل مسؤولية النيابة لفترات انتقالية لوزارة الصحة ووزارة الاقتصاد والمالية، يطيب لي أن أشكر جزيل الشكر كل المتابعين والمتابعات لصفحتي هذه، الذين لم يبخلوا علي بتنويرهم وتشجيعهم واقتراحاتهم وحتى انتقاداتهم، على مدى السنوات المنصرمة. لقد حاولت طوال هذه المدة من خلال تدوينات مسهبة معززة بالصور والأشرطة التوثيقية، أن أنقل للمتابعين أهم الأنشطة التي قامت بها هذه القطاعات الحكومية، بجهد متناغم بين الوزير والمسؤولين والأطر ومختلف العاملين بالوزارات والمؤسسات والمقاولات العمومية التابعة لها، لأضعهم في صورة ما راكمته وتراكمه بلادنا من منجزات في مجالات اقتصادية واجتماعية وخدماتية حيوية. أسأل الله عز وجل أن أكون قد وفقت في ذلك خدمة لوطني، وقياما بمسؤولياتي تجاه مواطني ومواطنات بلدي العزيز».
لم يغلق الوزير السابق صفحته ولم يغادر الفضاء الأزرق، بل أعلن استمرار فتحها في وجه العموم، قائلا: «هذه الصفحة ستستمر إن شاء الله، حسب ما قد يتيسر لي من آراء وأفكار وملاحظات أرى فائدة في إبدائها في حينها، والله الموفق».
وحسب مصادر «الأخبار»، فإن الدكتور عبد القادر اعمارة الحاصل على الدكتوراه من معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة بالرباط سنة 1986، والذي شغل منصب أستاذ باحث بالمعهد نفسه إلى غاية 2002، قد يعود إلى عمله السابق كمستشار علمي لدى المنظمة الدولية للعلوم بالسويد والتي اشتغل فيها لسنوات عديدة، فيما ترجح مصادر أخرى فرضية فتحه مكتبا للأبحاث والدراسات.
الفردوس يستعيد شهية التأليف والإشراف على مكاتب الخبرة
«كان لي الشرف أن أهنئ خلفائي على الثقة المولوية أولا، وأود أن أعبر عن امتناني لجميع الأشخاص الملهمين الذين قابلتهم على جميع المستويات، خلال هذه الأشهر الثمانية عشر في وزارة الثقافة والشباب والرياضة، خاصة بين الموظفين والمجتمع المدني والقطاع الخاص والنساء والرجال، الذين يبعثون الحياة في الثقافة والشباب والرياضة والإعلام. لقد كان شرف حياتي أن أخدم الصالح العام». هذا جزء من الكلمة المقتضبة التي ألقاها الوزير الدستوري في حفل تسليم السلط.
بدأ عثمان الفردوس رحلة الاستوزار من منصبه ككاتب للدولة لدى وزير الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي مكلفا بالاستثمار، وفي الشوط الثاني من مساره الوزاري حمل ثلاث حقائب دفعة واحدة الرياضة والشباب والثقافة، ثم الإعلام.
كانت المسؤوليات الحكومية التي تقلدها عثمان، سواء في الفترة الأولى أو الثانية، بمثابة فاصل أوقف مساره المهني الذي اختاره، حين كان رئيسا لنادي «جيبرالتار.أورغ»، وحين شغل منصب الكاتب العام لجمعية خريجي العلوم السياسية بالمغرب ما بين 2012 و2016، وكان مديرا بمكتب الاستشارة «مينا ميديا كونسالتين بالرباط» ما بين 2008 و2016، ثم شغل منذ يوليوز 2016 منصب مسير لمكتب «أوروبا كونسي» بالدار البيضاء، علما أن تكوينه إعلامي وتجاري وقانوني، إذ حصل على شهادة ماستر في الصحافة (2005- 2007) من معهد الدراسات السياسية بباريس، وعلى شهادة ماستر تنفيذي من المدرسة الوطنية للإدارة سنة 2016، سلك الدراسات العليا الأوروبية، وعلى دبلوم من المدرسة العليا للتجارة (نانت – أطلانتيك)، لكن على الرغم من جاذبية الصحافة إلا أن الشاب السوسي الأصول، الذي تنفس العلوم السياسية في بيت تغمره السياسة والقانون، اشتغل خارج محيط الصحافة.
وخلافا لما تردد في أوساط الديبلوماسيين من إمكانية إشراف عثمان على تدبير جريدة «رسالة الأمة»، لسان حزب الاتحاد الدستوري، والتي سبق لوالده أن أدار شؤونها، إلا أن كل المؤشرات تسير في اتجاه إنشاء الوزير السابق لمكتب استشارة عالمي في مجال تخصصه، فضلا عن رغبته في تعزيز مكتبته التي تعرف مجموعة من المؤلفات، منها على الخصوص «النتائج غير المتوقعة لمعاهدة لشبونة حول السياسة الأوروبية للمغرب» و«خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي»، و«قصور الرؤية المقلق لاستراتيجية بروكسيل بالبحر الأبيض المتوسط»، التي يجمع فيها بين تحليل صحفي ورؤية أكاديمية.
أمكراز يرتدي بذلة المحاماة من جديد بعد تسوية ملف المستخدمين
لم يكن محمد أمكراز يظن أن غيابه عن هيئة المحامين بأكادير سيكون قصير المدى، حيث لم يتجاوز مقامه في مقر وزارة الشغل والإدماج المهني العامين، إلا أنه سيضطر للعودة إلى مكتبه، بعد السقوط المدوي للعدالة والتنمية، الذي يشغل في هياكله منصب الكاتب الوطني لشبيبة الحزب، وخسارته حين ترشح في الدائرة التشريعية تيزنيت، المنطقة التي ولد وترعرع بها، أمام منافس عاطل عن العمل، في واحدة من مفاجآت اقتراع ثامن شتنبر.
قال حزب «البيجيدي» حين منح التزكية لأمكراز: «يعد الوزير الشاب الوحيد، الذي جسد فعلا المبدأ الدستوري «ربط المسؤولية بالمحاسبة»، ولم يتهرب من «تقديم الحساب» كما يفعل الكثيرون، واختار أن تنقط أداءه الحكومي يوم الأربعاء 8 شتنبر 2021، ساكنة تيزنيت التي تعرفه جيدا منذ نعومة أظافره».
فعلا كان التنقيط سلبيا وسقط القيادي الشبابي في مستنقع الخيبة، وهو الذي استأنس بالبرلمان مبكرا عن طريق اللائحة الوطنية للشباب بعد الانتخابات التشريعية لسنة 2011، حيث تبين أن التصويت كان انتقاميا، سيما وأن أمكراز كان يعول على أصوات مسقط رأسه بجنوب غرب تيزنيت.
سيعود الوزير السابق إلى مكتبه لممارسة مهنة المحاماة ضمن هيئة أكادير، لن يحرق المراحل كما كان يعتقد، وهو الذي دخل المحاماة ضدا على توجهه الأول، حيث كان مدرسا، وبعد خمس سنوات قرر تغيير التخصص بعد حصوله على الإجازة في القانون الخاص، حيث قرر التقدم لمباراة المحاماة وتمكن من الحصول على شهادة الأهلية لممارسة مهنة المحاماة سنة 2004، كما انتخب مستشارا جماعيا في بلدية أكادير ومجلس جهة سوس ماسة.
شاءت الأقدار أن يدبر وزارة كانت في الصفوف الأولى للجائحة، لكن عدم تسجيل مستخدمي مكتبه للمحاماة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بعثر أوراقه، خاصة وأنه يفتخر بعضويته في منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، وعضوية المكتب الوطني لجمعية «محامون من أجل العدالة».
قبل أن يعود إلى مكتبه ويستحضر مرافعاته، أكد أمكراز تسويته للعارض الذي تحول إلى فضيحة، إذ أقدم على تسوية وضعية جميع المستخدمين بأثر رجعي، وقال إن مفتشي الضمان الاجتماعي افتحصوا مكتبه للمحاماة دون علمه، ودون أن يتدخل أو يحجب عنهم المعلومات.
حين عين وزيرا، أوضح أمكراز أن علاقته القانونية بمكتب المحاماة انتهت، وذلك لأن القانون المنظم للمحاماة والقانون المنظم لأشغال الحكومة، يمنعان الجمع بين المنصبين. اليوم سيعود إلى مكتبه بعد إجازة قصيرة.
المصلي.. دخلت البرلمان مدرسة ثانوي وغادرت الحكومة دكتورة
حين نظم الكاتب العام لوزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة، حفل وداع خاص لتكريم الوزيرة جميلة المصلي، وذلك في حي السويسي بالرباط، غضبت نقابة الاتحاد العام لوكالة التنمية الاجتماعية وكتبت في صفحتها الفايسبوكية: «كرم الكاتب العام وزيرته في حفل فخم احتضنه حي السويسي الراقي بالرباط، وهي التي فسحت المجال أمام الكاتب العام لوزارتها ليدمر وكالة التنمية الاجتماعية، وبالمقابل ها هو يرد لها جزءا من الجميل».
ظهرت الوزيرة جميلة المصلي متأثرة، وهي تغالب دموعها، سيما بعد وفاة أبيها المقاوم محمد المصلي، بعدما وافته المنية بمنزله في مدينة أكادير، مباشرة بعد خسارة حزبها في الانتخابات. لكن جميلة خرجت من مقر العدالة والتنمية غانمة، وهي التي لم تدرس يوما في المدارس الحكومية، لأنها أصبحت برلمانية مرتين ووزيرة ثلاث مرات، في ظرف زمني قصير جدا. لذا لن تعود الوزيرة السابقة إلى القسم الثانوي، لسبب بسيط كونها راكمت شهادات عديدة خلال فترة جلوسها في قبة البرلمان وفي الوزارة. حصلت المصلي على شهادة الدراسات الجامعية العليا في الآداب تخصص الدراسات الإسلامية، سنة 2002، وعينت أستاذة للتربية الإسلامية في السنة نفسها، لم تدرس يوما واحدا بعد تعيينها، لتجد نفسها ضمن اللائحة الوطنية لحزب العدالة والتنمية، وتحصل بدون عناء على مقعد برلماني. وحين عينت وزيرة منتدبة لدى وزير التعليم العالي والبحث العلمي، شرعت في ممارسة هواية جمع الشهادات، رغم عبورها بشكل صامت ككاتبة دولة مكلفة بالصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي، أو كوزيرة للتضامن. حصلت المصلي على شهادة الدكتوراه من جامعة وجدة، ما مكنها من تغيير إطارها الوظيفي من أستاذة التعليم الثانوي إلى متصرفة، بمعنى أن عودتها إلى الوظيفة لن تكون إلا من بوابة الجامعة كمحاضرة.
هكذا عاش وزراؤنا الأولون فترة ما بعد الاستوزار
كان شيخ الإسلام، محمد بلعربي العلوي، زاهدا في حياته على الرغم من ميوله السياسية، وحين حصل على أعلى الشهادات من القرويين، ظل يصر على وضع ما علمه السلف للخلف، مؤمنا بالقيم الإنسانية الأكثر نبلا، بل إنه رفض المعاش الذي خصصته له الحكومة واكتفى بما ينتجه من عرق جبينه، في مجال العلم والمعرفة. ويروي رفاق شيخ الإسلام أن هذا الأخير استغرب لما اقترحوا عليه معاشا بلا عمل، ففي سنة 1962 استقال الشيخ من منصب وزير الدولة، وتوجه إلى بيته في درب الميتر ليشرع في حلب أربع بقرات وتربية الدجاج ويعيش ببيع الحليب والبيض، بعدما اشترى أربع بقرات عاش من ثمن حليبها، كما رفض التحول من مستهلك إلى «كساب»، بعدما نصحه هواة الاستثمار بتوسيع تجارة الأبقار.
أغلب المراكشيين لا يصدقون أن عبد الله إبراهيم، المفكر والسياسي والوزير الأول في حكومة 1958- 1960، قد أنهى مساره في غنى عن معاش الحكومة، حيث اختار العودة إلى الفصل معلما للأجيال، بعدما ترك بصماته في العمل الوزاري.
وخلال فترة مقاومة الاستعمار، ظلت عيادة عبد الكريم الخطيب، في درب السلطان بالدار البيضاء، مفتوحة بالمجان لفائدة المقاومين والمعوزين، وشكل لوحده مؤسسة لرعاية أسر الشهداء، في زمن كانت أسرة الخطيب تضم وزيرين، وهما: عبد الرحمن الخطيب الذي لم يعمر طويلا في وزارة الداخلية ولم يقترن اسمه بها كأسماء أخرى، إلا أنه كان وزيرا للداخلية في فترة الستينات ووزيرا للشبيبة والرياضة، وعبد الكريم الخطيب الذي تقلب في مناصب حكومية كبيرة كوزير للصحة وللشؤون الإفريقية ورئيس للبرلمان، ومؤسس حزبين سياسيين، وأكثر من ذلك قربه من القصر، حيث كانت مريم الكباص، والدة الوزيرين، صديقة للالة عبلة، والدة الملك الحسن الثاني، حيث كانت تدخل القصر دون تأشير.
أما عبد الرحيم بوعبيد فلم يسع إلى الثروة خلال الأشهر التي كان فيها وزيرا للاقتصاد والمالية، خاصة أنه هو الذي وضع أسس النمط الاقتصادي المعتمد إلى اليوم، ولم يراهن على ذلك من أجل الاغتناء وجمع الأموال كما فعل آخرون. وتشير مجمل شهادات المؤرخين السياسيين إلى أن بوعبيد ظل محافظا على نزاهته «حتى أنه لم يكن يمتلك بيتا خاصا به، إلا بعد سنوات من الاستقلال ولأسباب خارجة عن إرادته، وظل يتنقل بين الرباط وسلا وهو وزير على متن دراجته النارية».
أما عبد الرحمن بوفتاس، وهو من أعلام قبيلة أمانوز بإقليم تيزنيت، فلم يكن رجل دولة فقط، بل كان فاعلا جمعويا، وهو رجل ثري وابن أسرة ذات مكانة اجتماعية، ينفق كل مرتبه عندما كان في الوزارة على مرافقيه، إذ لم يكن بحاجة إلى مرتبه.
وحسب صحيفة «ليكونوميست»، فإن ثلاثة وزراء في حكومة عبد الإله بنكيران لم يكونوا يتوصلون برواتبهم، بعدما طلبوا الإعفاء من الأجر منذ أن تسلموا الحقائب الوزارية. ويتعلق الأمر بعزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري، بالإضافة إلى مولاي حفيظ العلمي، وزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي، في حين اختار الوزير الثالث وهو مصطفى الرميد، وسيلة أخرى، بحيث سار على منوال العربي عجول، الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بالبريد والتقنيات الحديثة والاتصال، في زمن التناوب، وعبر عن الاستغناء المشروط عن الراتب «مقابل تحويله إلى ميزانية وزارته، لتمويل الأنشطة التي تقوم بها وزارته»، دون أن يكشف عن نوعية تلك الأنشطة.