حياة ما بعد السياسة وزراء سابقون يديرون مؤسسات تجارية بعد تقاعدهم السياسي
من الصعب على السياسيين خاصة الوزراء تدبير حياتهم ما بعد الاستوزار، فهم يجدون صعوبة في التأقلم مع النمط الجديد لحياة بلا دواوين ولا كتاب عامين وخاصين، بلا سائقين في حالة استنفار قصوى، بلا بروتوكول ولا هم يحزنون.
يغادر الوزراء الحكومة طوعا أو كراهية، وحين يقترب موعد الرحيل يداهمهم في حلمهم ويقظتهم كابوس التعديل الحكومي، فيبحثون عن ألف مبرر لابتلاع المغادرة، فيعلنون استراحة المحارب ويقررون قضاء فترة النقاهة بعيدا عن لغط السياسة إلى أن يتعايشوا مع الوضع الجديد.
بعد فترة نقاهة يلتئم فيها جرح السقوط من كرسي الوزارة، يفكر السياسي في دخول عالم المال والأعمال، لكنه يخشى من سؤال المحققين: «من أين لك هذا؟»، حينها يصبح الانتقال من ضفة السياسة إلى صفة المال والأعمال محفوفة بالمخاطر إلا إذا امتطى مركبا في اسم قريب يبعد عنه شبهة الاغتناء من حقيبة وزارية.
المستفيد الوحيد من إقالة الوزراء أو إعفائهم من مهامهم هي الأسرة، حيث يدشن الوزير علاقة جديدة أو يعيد تطبيع علاقاته بالمحيط العائلي بعد طول غياب، حينها يستعيد الأبناء مكانتهم فيشكرون التعديل ويحمدون الله على وجوده. لكن غالبية الوزراء لا ينكبون عند الاعتزال في كتابة مذكراتهم أو إنشاء مؤسسات فكرية على غرار عبد الهادي بوطالب وعبد الرحيم بوعبيد، بل عادوا بعد فترة استراحة إلى الجد والعمل في قطاعات استثمارية مدرة للكسب المالي السريع.
في زمننا أصبحت السياسة سبيلا للاغتناء لما لها من علاقة بالسلطة، فهناك بعض السياسيين راكموا الثروة بطرق غامضة، والدليل مثول العديد منهم أمام محاكم جرائم الأموال ومنهم من لازال متهما بالإثراء غير المشروع.
في هذا الملف نرصد مواقع الكسب الجديدة ما بعد الاعتزال لسياسيين عادوا إلى قواعدهم سالمين، وآخرين عادوا إلى بيوتهم نادمين.
حسن البصري
+++++
منصف بلخياط.. الحنين الدائم للاستثمارات
رغم أن منصف بلخياط قد ارتبط قبل استوزاره بعالم المال والأعمال، حين كان رئيسا لمجلس إدارة إحدى شركات الاتصالات، ورغم أنه اقتيد دون إرادته إلى عالم السياسة، وعبره دخل التشكيلة الرسمية للحكومة كوزير للشباب والرياضة، إلا أن الحنين ظل يشده إلى الحب الأول «المال والأعمال» خاصة من خلال مجموعة «ديسلوغ» التي يملك غالبية أسهمها، والتي تتواجد في أكثر من قطاع بل وصلت إلى القطاع الإعلامي الذي أصبح ذراعا للمجموعة الاستثمارية.
وبرز اسم المجموعة، خاصة بعد تفرغ الوزير السابق لقطاع المال والأعمال، في مجال الأدوية من خلال مختبر أدوية شهير، والذي كان ضحية هاكرز سطا على بياناته وحساباته في واقعة لازال الجميع يذكرها.
وبعد أن تحولت مجموعة «ديسلوغ» إلى «هولدينغ» قائم الذات، قرر منصف دخول البورصة من بابها الواسع، خاصة في ظل الانتشار الكبير على مستوى الفروع والصناعات ما يعني أن الدخول إلى البورصة سيمكنه من الاكتتاب العام وجمع مزيد من الأموال والحصول على علامات تجارية جديدة، وكذا السماح بتطوير نشاطه الصناعي والتجاري.
تأسست هذه الشركة القابضة بالمفهوم العربي، سنة 2005 ويوجد مقرها الاجتماعي في منطقة أولاد صالح ضواحي الدار البيضاء، وكانت أنشطتها الاقتصادية تقتصر في بداية الأمر على ثلاثة قطاعات رئيسية، وهي منتجات التنظيف المنزلية، والبسكويت والكعك، وكذلك النشاط الغذائي. قبل أن يمارس العقار جاذبيته على منصف ويقرر اقتحامه ويتحول إلى منعش عقاري.
ومع مرور الأيام تنوعت الأنشطة من الصيدلة إلى الإنعاش العقاري مرورا بمجالات أخرى كالمقاهي والمطاعم ومحلات التسوق، مع محاولات دمج أكثر من شركتين لتقوية الحضور في الأسواق، بل إن وباء كورونا قد دفع الرجل للانفتاح على مواد التطهير، واستحوذ في عز الوباء على شركة إيطالية شهيرة كانت تنتج المادة المطهرة الأكثر استعمالا من طرف الأسر والشركات بالمغرب، فأصبح بلخياط المنتج الرسمي لجافيل ومسحوق الغسيل وجميع مواد التطهير الأخرى، خاصة في ظل الطلب القياسي على هذه المواد من طرف الجماعات والشركات والأسر المغربية في زمن الجائحة. الأكثر من ذلك فقد تمكن منصف من خلق ذراع إعلامي يعزز الحضور في المجال الاقتصادي.
كريم غلاب.. من مقود السياسة إلى تسويق السيارات
بعد غيابه عن الساحة السياسية لسنوات، عاد كريم غلاب إلى الواجهة، حين تم تعيينه رئيسا لمجلس إدارة مجموعة أوطو هول إحدى أهم شركات بيع السيارات في المغرب، بديلا لعبد اللطيف الكراوي الذي كان رئيسا لهذه المجموعة منذ سنوات.
عاد كريم بعدما توارى عن الأنظار، بعد أن شغل مناصب حساسة في الدولة كوزير النقل والتجهيز الأسبق ورئيس مجلس النواب سابقا، رغم أنه نزل بالمظلة فوق سباتة وأصبح برلمانيا بقدرة قادر، رغم أنه من مواليد الدار البيضاء. وجاء التحاق غلاب بهذه الشركة الرائدة المتخصصة في تسويق السيارات العادية والفاخرة، وهي مملوكة لعائلتي الشرقاوي واليعقوبي، كما يضم المجلس الإداري سعد حصار، كاتب الدولة السابق بالداخلية.
لم تكن لغلاب علاقة بتسويق السيارات، لكنه ولد وعاش في عائلة ثرية، إذ أن والده كان إطارا في وزارة التجهيز كاتبا عاما لصندوق التأمينات الخاصة بحوادث السير.
بدأ كريم مساره المهني وعمره حينها 24 سنة، مستشارا في مجال التنظيم بمجموعة «أوروغروب كونسيلتان» بباريس. قبل أن يقنعه عميد مهندسي مدرسة الطرق والقناطر عبد العزيز مزيان بلفقيه بالعودة إلى المغرب، إذ عين مديرا إقليميا للتجهيز بالحسيمة ثم بابن سليمان. وعين في ما بعد مديرا للبرامج والدراسات بوزارة التجهيز، كأصغر مسؤول يتبوأ هذه المناصب.
خلال تواجده في أوروبا تعرف كريم على زوجته الحالية غرازيا سكارفو التي سيضاف إليها اسم غلاب ليصبح اسمها ثلاثيا، كانا يقتسمان صفة الطالب الجامعي، إذ كانت سكارفو تتابع دراستها في المدرسة العليا للعلوم الاجتماعية بباريس، غير بعيد عن مدرسة القناطر والطرق، ولأن كريم كان متخصصا في الجسور فقد سارع إلى رسم مخطط يعبر منه نحو ضفة الشابة الإيطالية التي كانت بصدد التحضير للدكتوراه.
تولى كريم غلاب منصب رئيس مجلس النواب باسم حزب الاستقلال ما بين 2011 إلى 2014، كما تولى منصب وزير النقل والتجهيز في حكومتي إدريس جطو وعباس الفاسي من 2002 إلى 2011. وشغل منصب عضو المكتب السياسي لحزب الاستقلال، قبل أن يعود إلى عالم التسويق.
توفيق حجيرة.. تحت كابوس الثراء السريع
تابع الرأي العام المغربي السجال الذي دار بين الحقوقيين وتوفيق حجيرة الوزير السابق، حول ثروته ومصادرها، وهو النقاش الذي تحول إلى تبادل للقصف بين حجيرة ومحمد طارق السباعي، رئيس الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب، حين طالب هذا الأخير بالتدقيق في التصاريح بممتلكات الوزراء السابقين الذين غادروا التشكيلة الحكومية الفارطة، بل إنه قال في أكثر من تصريح صحفي إن الوزير السابق للسكنى والتعمير، الاستقلالي توفيق حجيرة، «يتوفر حاليا على ثروة تقدر بـ600 مليار سنتيم في شكل عقارات وأموال بحسابات بنكية»، واستند السباعي في تصريحه على «معطيات توصلت إليها الهيئة».
وقدم الحقوقي بعض التفاصيل عن الثروة الخيالية التي راكمها الوزير خلال مدة تحمله مسؤولية وزارة الإسكان، والتي تقدر بـ 600 مليار سنتيم، مشيرا إلى أن غالبيتها على شكل عقارات. لكن بالرغم من معالم الثراء التي تظهر على حجيرة وتقارير المفتشين حين تحمل مسؤوليات تدبير الشأن المحلي من طرف شقيقه عمر الذي جلس مرات عديدة أمام المحققين لتبرير مصادر الثروة، إلا أن توفيق قال إن السياسة والمناورات الحزبية هي التي رمت به في بحر الأهوال. وأشار في دفاعه عن مصدر الثروة بأنه سليل أسرة عريقة وأن البيانات التي قدمت غير صحيحة، مضيفا بأنه لا يملك سوى المنزل الذي يسكنه، والموجود في ملكيته هو وزوجته، «قد اقتنيته قبل دخولي للحكومة سنة 2002، وقد أديت آخر أقساط الديون المتعلقة به في آخر شهر نونبر 2010، وشقة عبارة عن منزل ثانوي في ملكية مشتركة مع كل أخواتي وإخواني، تم اقتناؤها بعائدات إرث عائلي مسجل بعقد توثيقي رسمي»، لا أملك عقارات داخل المغرب أو خارجه، ولا أسهما أو حصصا في شركات، أو في البورصة، ولا سندات».
صلاح الدين مزوار يعود إلى قواعد النسيج سالما
بعد استراحة محارب سينتخب صلاح الدين مزوار، وزير الخارجية السابق، رئيسا جديدا للاتحاد العام لمقاولات خلفا لمريم بنصالح على رأس الاتحاد العام للمقاولات بالمغرب. عاد الرجل إلى صفوف «الباطرونا» بعد أن كان وزيرا يفاوض أرباب العمل في جلسات الحوار الاجتماعي.
لكن علاقة صلاح الدين بعالم النسيج ليست وليدة الاعتزال السياسي، بل ترجع إلى ما قبل تعيينه وزيرا، وهو الحاصل على دبلوم عال من جامعة فونتينبلو بفرنسا، ودبلوم الدراسات المعمقة في العلوم الاقتصادية من جامعة العلوم الاجتماعية بغرونوبل بفرنسا، ودبلوم السلك العالي في التدبير من المعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات بالدار البيضاء.
عمل صلاح الدين مزوار في بداية الثمانينات بالقسم الإداري في وكالتي توزيع الماء والكهرباء بالرباط وطنجة، قبل أن يلتحق بمكتب استغلال الموانئ، وفي سنة 1991 التحق بمجموعة إسبانية متخصصة في صناعة النسيج وعين مديرا عاما لفرعها بمدينة سطات، ثم تولى مهمة مدير تجاري للمجموعة نفسها في المغرب وإفريقيا والشرق الأوسط. انتخب صلاح الدين مزوار، وهو عضو اللجنة المركزية للتجمع الوطني للأحرار في يونيو 2002 رئيسا للجمعية المغربية للصناعات النسيجية والملابس، وكذا رئيسا لفيدرالية النسيج والألبسة والمنتوجات الجلدية داخل الاتحاد العام لمقاولات المغرب.
خلافا لكثير من زوجات الوزراء المعتزلين، فإن كريمة انخرطت في النسيج الاجتماعي للمغرب رغم أصولها التونسية، وعملت على تكوين جمعيات في مجال «التنمية الاجتماعية»، كما عملت في شركة إسبانية للنسيج أشرف على تدبيرها المالي زوجها صلاح الدين ويوجد مقرها في مدينة سطات، قبل أن تدخل القطاع البنكي كإطار في القرض الفلاحي.
حين كان صلاح الدين مديرا تجاريا لشركة «سيتافيكس» الإسبانية المتخصصة في النسيج والتي يوجد مقرها في سطات، أسست كريمة شركة أسمتها «تامسنا».
رضى الشامي يدخل سوق الصناعة العسكرية
بالرغم من تعيينه رئيسا للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، فإن محمد رضى الشامي ظل مسكونا بالهم الاقتصادي، وهو من الشخصيات القليلة في المغرب التي جمعت بين التكوين التقنوقراطي والعمل السياسي. بمجرد حصوله على الباكلوريا، أرسل لاستكمال الدراسة في المدرسة المركزية بباريس، ليتخرج منها وعمره 24 عاما مهندسا في الفنون والصناعات قبل أن يتابع دراسته في الولايات المتحدة الأمريكية، ليحصل سنة 1989 على ماستر في إدارة الأعمال من معهد «إي أندرسون» للدراسات العليا في مجال التدبير التابع لجامعة كاليفورنيا بلوس أنجليس.
علما أنه اشتغل لسنوات في القطب العملاق العالمي «ميكروسوفت» وفيه راكم خبرة في مجال التجارة والتدبير، جعلاه منذ مدة محل أنظار أصحاب القرار في المغرب.
عاد إلى المغرب سنة 2004، وعرضت عليه مناصب قيادية في هرم الدولة، لكنه ظل يميل لتدبير المؤسسات الاقتصادية، وبالرغم من انتمائه لعائلة عريقة في مجال السياسة من خلال والده الذي كان من أقطاب حزب الاستقلال ثم الاتحاد الاشتراكي في ما بعد، إلا أن دخوله معترك السياسة يرجع لسنتى 2007، حين عين وزيرا وانتخب برلمانيا عن الاتحاد الاشتراكي.
حين اعتزل السياسة وزيرا، أنشأ رضى شركة تسمى «ليكسوس» للصناعات الدفاعية، وشرع في صناعة لوازم المقاتلات والمروحيات والطائرات بدون طيار وعتاد الاستطلاعات، ورصد الأهداف من مسافات بعيدة، وجمع صور أرضية وجوية، وعرضها في السوق الداخلية وتصديرها لدول أخرى.
ربط رضى علاقات تعاون مع شركة فرنسية بغاية نقل التكنولوجيا والخبرة في مجال صناعة الدفاع بدل الاعتماد على موردين أجانب، وكذلك بغرض الاستجابة للطلبات المتزايدة في سوق الدفاع العالمي. وتحققت زيادة في رقم معاملات الشركة، بلغت نسبتها 48 في المائة.
عادل الدويري.. الهارب من السياسة إلى عالم المال والأعمال
يملك عادل الدويري جذورا سياسية في حزب الاستقلال، فقد تحول من ابن قيادي استقلالي كبير إلى عضو داخل اللجنة التنفيذية للحزب ومؤسس رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين، كما سبق له أن كان عضوا في مجموعة التفكير التي أسسها الحسن الثاني عام 1996 في أيام السكتة القلبية، وشغل مناصب عديدة في المكتب التنفيذي للاتحاد العام لمقاولات المغرب.
عين الدويري وزيرا للسياحة سنة 2002 في عهد حكومة إدريس جطو، وفي التعديل الحكومي للعام 2004، تم تكليفه بحمل حقيبة أكبر تمثلت في تعيينه وزيرا للسياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي.
لكن ما أن انتهت فترة استوزاره، حتى ولج عالم المال والأعمال، ومع بداية سنة 2008 أصبح مسيرا لشركة الاستثمارات «موتانديس»، المتخصصة في شراء المقاولات الصاعدة أو التي يتهددها الإفلاس، بغرض تسريع وتطوير نموها، وهو كذلك عضو مجلس الإدارة بالعديد من الشركات المدرجة في البورصة.
تجربته طويلة في مجال التدبير، فقد شغل في بداية مساره المهني العديد من المناصب، على غرار إدارته صناديق الاستثمار ببنك الأعمال الأوروبي «باريبا» في الفترة من 1986 إلى 1992، بحيث كان مختصا في الاستثمارات في الولايات المتحدة، فضلا عن كونه من المؤسسين لأول بنك أعمال في المغرب.
يصنف الرجل ضمن مليارديرات المغرب، بعد أن اخترقت شركاته أغلب القطاعات من المال والقروض إلى العصائر والسيارات، بالرغم من حديث بعض المصادر الإعلامية، عن تخلي مجموعة «موتانديس»، التي يملكها عادل عن صفة المموزع الرسمي لسيارات فراري وهوندا وسيات. وحسب نفس التقارير، «فإن تصفية الشركة تم الإعلان عنه خلال الجمع العام غير العادي للمجموعة».
رشيد بلمختار.. العودة إلى تدبير شركة إعلاميات
ولد رشيد بلمختار، الوزير السابق للتربية الوطنية والتكوين المهني سنة 1942 بمدينة مراكش، وسط أسرة ثرية انتقلت إلى مدينة طنجة، في هذه المدينة العالمية بدأ الفتى مشواره التعليمي، وحين حصل على شهادة الباكلوريا قرر والده إرساله إلى مدينة تولوز لاستكمال تعليمه العالي وهو يمني النفس بأن يصبح ابنه طيارا. قضى رشيد خمس سنوات في المدرسة الوطنية العليا لصناعة الطائرات جنوب فرنسا، لكنه رفض عالم الطيران وتمرد على أحلام الطفولة، وقرر تغيير مساره الدراسي بتكوين في الاقتصاد والتسيير في معهد الدراسات الدولية في نفس المدينة تولوز، قبل أن ينتقل إلى معهد التدبير الدولي بسويسرا. مما جعل الحصص التعليمية التي قضاها في مدرسة صناعة الطائرات مجرد «سنوات ضياع»، سيما وأنه عمل بعد تخرجه في قطاع الإعلاميات، كمهندس في شركة استشارية مغربية، ومدرس في المدرسة المحمدية للمهندسين قبل أن يقرر إنشاء مقاولة خاصة.
أطلق رشيد بلمختار اسم «شركة الإعلاميات ومناهج التسيير»، على الشركة التي أنشأها في مدينة الرباط، وهي شركة مختصة في الاستشارة واستيراد وتسويق المنتوج الإعلامياتي، أما الزبون الرئيسي في عملية التسويق فهي الإدارة العمومية والمؤسسات المالية التي دخلت سباق تجديد آلياتها اللوجستية، وفيها احتكرت شركة رشيد بلمختار «سوق» وزارة التربية الوطنية. من هنا بدأت علاقة بلمختار بقضايا التربية والتعليم، حيث استفاد من «العمليات الجراحية» التي خضع لها القطاع وحصل على أموال كثيرة من صفقات إصلاح القطاع بعد أن أكدت توصيات ميثاق التربية والتكوين وتقارير المنظمات الدولية المهتمة بتمويل التعليم وبتنمية الموارد البشرية، وعلى ضرورة ولوج ثقافة الإعلام الجديدة، فاتسعت آفاق الشركة الأم وتم تأسيس شركة أخرى اخترقت فضاءات أكثر حساسية، وأصبح بالتالي اسم رشيد بلمختار معروفا لدى أوساط وطنية ودولية.
خدام دولة بدون مقابل:
محمد بلعربي.. رفض المعاش واقتنى أربع بقرات
كان شيخ الإسلام، محمد بلعربي العلوي زاهدا في حياته على الرغم من ميوله السياسي، وحين حصل على أعلى الشهدات من القرويين، ظل يصر على وضع ما علمه الأسلاف للخلف، مؤمنا بالقيم الإنسانية الأكثر نبلا، بل إنه رفض المعاش الذي خصصته له الحكومة واكتفى بما ينتجه من عرق جبينه، في مجال العلم والمعرفة. ويروي رفاق شيخ الإسلام أن هذا الأخير استغرب لما اقترحوا عليه معاشا بلا عمل، ففي سنة 1962 استقال الشيخ من منصب وزير الدولة وتوجه إلى بيته في درب الميتر ليشرع الوزير السابق في حلب بقراته وتربية الدجاج ويتعيش ببيع الحليب والبيض، بعدما اشترى 4 بقرات عاش من ثمن حليبها، كما رفض التحول من مستهلك إلى «كساب» بعدما نصحه هواة الاستثمار بتوسيع تجارة الأبقار.
رغم أنه عاش في مناصب سامية إلا أنه كان بسيطا في حياته اليومية، فقد عين في سلك القضاء بمدينة فاس، ثم شغل منصب وزير مستشار في مجلس التاج مع تعيين أول حكومة مغربية بعد الاستقلال، عايش أربعة سلاطين علويين وهم: مولاي عبد الحفيظ العلوي ومولاي يوسف العلوي، ومحمد الخامس ثم الحسن الثاني، وعلى امتداد قربه من الملوك ظل يرفض الهبات وكل أشكال الريع، انسجاما مع مبادئه. وحين نفي محمد الخامس من طرف المستعمر، رفض الشيخ دعوة الإقامة العامة بتبني نظام محمد بن عرفة، بل إن محمد بلعربي أفتى بقتال المستعمر فكان مصيره النفي إلى تيزنيت، ليعيش حياة الزهد مرة أخرى. ويحكى أن البوليس الاستعماري جاء لاعتقاله سنة 1954 ففاجأهم بظاهرة غريبة، إذ فاجأ أفراد الشرطة بحمل حقيبة فيها حاجياته وكان يحمل في اليد الأخرى ثوبا أبيض اللون، فسأله المراقب الفرنسي عن سر القماش الأبيض، فكان رده: «إنه كفني»، وهناك قال مقولته المشهورة «إن السجن بالنسبة لي فرصة للتفكير، والنفي فسحة للسياحة والموت فرصة للاستشهاد». ويحكى أنه شد رحاله للالتحاق بالثائر موحا وحمو الزياني بعد أن باع متاع بيته، مما يؤكد اصطفافه إلى جانب البسطاء.
ومن شدة تقشفه أنه أوصى بالبساطة حتى في قبره بمسقط رأسه مدغرة في الرشيدية، وهو عبارة عن أكوام من الأحجار لأنه أوصى رحمه الله بعدم البناء عليه أو زخرفته.
تعويضات ما بعد الخدمة الوزارية
ينص الظهير رقم 331-74-1 الصادر في 11 ربيع الثاني 1395 (23 أبريل 1975) بشأن حالة أعضاء الحكومة وتأليف دواوينهم على أن أعضاء الحكومة يتقاضون، عند انتهاء مهامهم، تعويضا خاصا يعادل مرتب عشرة أشهر، وهو الوضع الذي احتفظت به الحكومة الحالية بعد نهاية ولايتها.
وتبعا لذلك، فإن رئيس الحكومة، الذي يتقاضى حاليا مبلغ 70 ألف درهم شهريا شاملة للأجر الأساسي وكل التعويضات، سينهي الولاية الحكومية بما يعادل 700 ألف درهم، لعشرة أشهر، أي 70 مليون سنتيم، فيما سيتقاضى الوزراء الآخرون 580 ألف درهم، أي 58 مليون سنتيم، لكونهم يتقاضون 58 ألف درهم والتي تتضمن كل التعويضات.
يكلف مجموع تعويضات نهاية الخدمة لوزراء آخر حكومة (حكومة العثماني) أزيد من مليار ونصف المليار سنتيم (15.100.000)، باحتساب مجموع المبالغ التي يستخلصها 24 وزيرا.
وبالإضافة إلى تعويضات نهاية الخدمة، التي سيتقاضاها كل وزير في الحكومة، فهناك التقاعد الدائم الذي سيحصل عليه الوزراء. وتبلغ القيمة الصافية لهذا التقاعد 3.9 ملايين سنتيم شهريا، علما أن بعض الوزراء سيخضعون لتكييف لمبلغ التقاعد في حال كانوا يزاولون مهنا أخرى. أما قيمة تقاعد رئيس الحكومة، فستصل إلى 6 ملايين سنتيم شهريا.
ولقد أثار موضوع استفادة رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، من معاش استثنائي تبلغ قيمته سبعة ملايين سنتيم جدلا كبيرا، على الرغم من صفته المدنية كمستثمر في مجال التعليم الخصوصي. فهذا الأستاذ السابق في مدرسة تكوين المعلمين بالرباط، والذي أوصله رجال التعليم لرئاسة الحكومة، قرر مغادرة سلك التعليم بعد مرور سنوات قليلة فقط من بدء عمله سنة 1979، أي قبل أن يكمل السنوات التي تفرضها عقدة الوظيفة.
هكذا غادر الرجل وظيفته كأستاذ، ليصبح شريكا في مدرستين خاصتين لأقرباء زوجته. ليدخل بعد ذلك في مشاريع في المجال نفسه، بشراكات مع بعض إخوانه المتخصصين في هذا النوع من الاستثمار في سلا والرباط والقنيطرة. ومن هؤلاء الشركاء، عضو في المجلس الأعلى للتعليم باسم رابطة أرباب التعليم الخصوصي، وهو يملك مدرسة خصوصية كبيرة جدا في مدينة سلا.