من بين كل المواضيع التي تطرقت لها مؤخرا في هذا العمود كان عمود لحم العود والشواية من أكثرها إثارة للتعاليق، حيث توصلت برسائل عديدة حولهما.
وإذا كان هناك إجماع بين من علقوا على “لحم العود” حول كونهم كلهم ذاك الرجل وأنهم جميعهم خلال الفترة الجامعية عاشوا على كفتة العود الحمراء القانية دون أن يكونوا متأكدين من أنها تعود للعود أو لحيوان آخر، فإن التعليقات حول “الشواية”، وهو العمود الذي خصصته لمشكل التاكسيات وأصحاب التطبيقات، توزعت بين استحسان الزبناء واستهجان سائقي التاكسيات، وأحيانا تهجمهم.
في كل المهن هناك الشرفاء المهنيون الذين يؤدون عملهم بما يرضي ضميرهم أولا وبما يرضي القانون ثانيا. ثم هناك الدخلاء، تلك الحوتة التي تخنز لوحدها الشواري كاملا. وللأسف الشديد تكاثر هذا الحوت الفاسد في جميع الشواريات إلى درجة أن الرائحة الكريهة أصبحت تزكم الأنوف في جميع القطاعات المهنية.
وهكذا تحولت بعض القطاعات المهنية، بسبب تسرب الانتهازيين والوصوليين إلى مراكز القرار في هياكل التمثيليات النقابية، إلى ما يشبه المافيات التي تدافع عن مصالح أفرادها بجميع الطرق على ظهر الأغلبية الصامتة أو المتواطئة.
هناك قاعدة ذهبية تقول إن الأصل في التجارة والأنشطة الاقتصادية هو المنافسة القانونية، فهي الوحيدة القادرة على خلق الجودة والارتقاء بالمنتوج، والمستفيد في النهاية هو المستهلك. عندما يسود الاحتكار تشيع الرداءة وتفرض العملة الرديئة نفسها كبديل وحيد في السوق وتختفي العملة الجيدة.
ولذلك فإذا كان أصحاب التطبيقات الذكية يشتغلون خارج القانون فيجب توقيفهم ومعاقبتهم، وإذا كانت هناك حاجة لخدماتهم، والواضح أن هذه الحاجة متوفرة طالما أن المواطنين يطلبونهم عبر الهاتف ولا يزاحمون التاكسيات في المحطات المخصصة لهم، فيجب إخراج قانون ينظم عملهم. وهذه مسؤولية البرلمان والحكومة.
اليوم هناك حاجة ماسة لإصلاح قطاع سيارات الأجرة بكل أصنافها. وأهمية هذا الإصلاح تكمن أولا في كون القطاع يشغل يدا عاملة مهمة ويوفر فرص شغل لا يستهان بها. ثانيا قطاع سيارات الأجرة مساهم أساسي في دورة القطاع السياحي، فأول من يقابله السائح سواء عندما يصل إلى مطارات المملكة أو عندما يغادر الفندق للتعرف على المدينة هو سائق التاكسي. ولذلك فمهمة إرضاء السائح تتوقف في جانب مهم منها على رضاه على خدمات سيارات الأجرة.
ولكي توفر الدولة لسائقي سيارات الأجرة جوا سليما للعمل فيجب عليها منع النقل عبر التريبورتورات والكراريس والهوندات والخطافة وكل الوسائل غير المرخصة لكي يشتغل أصحاب رخص التاكسيات في جو سليم وقانوني.
ثانيا الدعم الذي تقدمه الحكومة لقطاع النقل يجب أن لا يخضع لقاعدة “زيد الشحمة فظهر المعلوف”، بل يجب أن يستفيد منه المهنيون وليس أصحاب الشكارة، وقد حكى لي سائق تاكسي أن مول الكريمة لديه خمس عشرة رخصة أخرى تقاضى عنها جميعها دعما من الوزارة ولم يعط للسائقين الذين يكترون منه التاكسيات درهما واحدا منها.
طبعا هناك من منح الدعم لمن يستغلون الكريمة، لكن ذلك يتوقف على ضمير كل واحد، والحال أن الدعم حق للمهني الذي يشتغل وليس لمالك الرخصة الذي ينام في بيته بانتظار الروصيطة.
ثالث شيء مهم هو ضرورة تحري المراقبة الصارمة في نقط البوانتاج، أي سيارة لا تحترم المعايير المسطرة تمنع من الخروج للعمل. وأي سائق هندامه غير لائق يمنع من الخروج للعمل. في إسبانيا مثلا تخضع سيارات الأجرة لفحص تقني كل ثلاثة أشهر.
ولو كنت عضوا في البرلمان لاقترحت أن يؤسس كل صاحب رخصة نقل شركة وأن يخصص لمن يسوق سيارة أجرته راتبا شهريا يبدأ من 6.000 درهم فما فوق حسب الأقدمية، وانخراطا في صندوق التقاعد، وحقا في العطل، وتعويضات عن الساعات الإضافية.
هكذا تخرج هذه المهنة من العشوائية والريع ويصبح صاحب “الكريمة” هو من عليه دفع رواتب وتعويضات للسائقين وليس العكس، إضافة إلى دفعه ضرائب للدولة.