حمل كاذب داخل حزبين
هناك اليوم مخاض خادع، ناتج عن حمل كاذب، يحدث داخل حزبين، واحد في التحالف الحكومي وواحد في المعارضة.
المخاض الكاذب داخل الاتحاد الاشتراكي حدث بسبب قضية اتهام وزير العدل بتقديم مشروع “قانون تكميم الأفواه” دون علم حزبه، والحال أن الحكومة بكاملها هي صاحبة المشروع، لكن أصابع الاتهام تشير إلى وزير العدل السابق مصطفى الرميد وتلوح إلى أنه كان وراء تسريب مقاطع من مشروع القانون لكي “يشري السلك” للوزير الاتحادي الوحيد في الحكومة وبالتالي الانتقام لحزبه ممن فرضوا دخول هذا الحزب إلى الحكومة رغم أنف بنكيران الذي أقسم أنه لن يدخل.
وقد ذكرتني قصة محمد بنعبد القادر وزير العدل مع إخوته في المجلس المركزي الذين يطالبون برأسه بسبب اتهامه بتقديم مشروع القانون دون استشارتهم، بما يقوم به الثعلب عندما يعفس في الفخ.
الذين كبروا جنب الغابات وفي البوادي يعرفون أنه من المستحيل أن تصيد الثعلب بالفخ، لأنه عندما يقع فيه يقوم بقطع العضو الذي يعلق في الفخ بأسنانه ويتركه خلفه ويفر بجلده.
بالنسبة لحزب الاتحاد الاشتراكي فمحمد بنعبد القادر أوقع الحزب في الفخ وعليه أن يضحي بنفسه لإنقاذ سمعة الحزب. إخوانه يطلبون منه أن يبقى في الفخ الذي وضع فيه قدميه وأن يطبق عليه لوحده لكي يعيش الحزب. فالاتحاد الاشتراكي لديه تاريخ طويل في الإفلات من الفخاخ بهذه الطريقة، في كل مرة يقع في فخ يترك عضوا من أعضائه ويفر بجلده.
يقول الإخوة في الاتحاد، الذي فيه مناضلون صادقون ما زالوا رغم مغادرته قابضين على جمرته الحارقة، إن هذا القانون الذي يكمم الأفواه لا علاقة له بتاريخ الحزب ولا بثقافته. كنا سنصدق ذلك لو لم يكن الاتحاد الاشتراكي وهو يقود حكومة التناوب هو من منع ثلاث مجلات دفعة واحدة، عندما كان المحامي والحقوقي النويضي مستشارا لعبد الرحمان اليوسفي. ولم نسمع أيًا من الإخوان الذين يتحدثون اليوم عن معاداة الحزب لتكميم الأفواه آنذاك يفتحون أفواههم بكلمة. كانوا جميعهم جذلى وسكارى بخمرة السلطة. والجميع يتذكر تصريحات الأشعري وزير الاتصال والثقافة، الذي كان يركض وراء أزولاي في الهرهورة بالكوستيم فيما يقوم المستشار برياضته اليومية، والتي كان يتغزل فيها صباح مساء بمناخ الحرية والديمقراطية الذي تتنفسه البلاد في عهدهم.
وشخصيا لا أذكر أن الحزب منذ اليوسفي إلى اليوم خاض معركة ضد اعتقال أو متابعة الصحافيين المغاربة بسبب كتاباتهم، بل إنه وقف يتفرج، هذا إذا لم يشمت فيهم عبر جرائده.
في الجهة المقابلة لحزب الاتحاد الاشتراكي هناك حمل كاذب آخر في أحشاء حزب الأصالة والمعاصرة يتزعمه العربي المحرشي وحكيم بنشماش اللذان خرجا من مولد انتخابات الأمانة العامة للحزب بلا حمص، بعدما نزل محامي المؤسسات البنكية عبد اللطيف وهبي على كرسي الجرار بردًا وسلامًا.
الحرب ضد المحرشي بدأت في وسائل التواصل الاجتماعي بنشر صورة لابنته والادعاء بأنها تدرس في أمريكا ولا تحضر للبرلمان وتتقاضى راتبها مع ذلك، هي وأمها، بالإضافة لوالدها.
وهذا ليس صحيحًا. فالسيدة تحضر جلسات البرلمان، جسديًا على الأقل، لأنه لم يسبق لها أن تدخلت في لجنة المالية التي هي عضو فيها. أما والدتها فليست برلمانية.
المشكلة هنا ليست في بنت أبيها، بل في أبيها تحديدًا.
فهل تعرفون من يكون هذا البرلماني والقيادي في حزب الأصالة والمعاصرة الذي يريد الانشقاق وتأسيس حزب يجمع تفرتيت الأحزاب المجهرية المتناثرة هنا وهناك؟
الجميع يعرف أن العربي المحرشي بدأ حياته المهنية يضرب البرشمان في وزان، قبل أن ينتقل إلى مدينة سلا لمزاولة نفس المهنة.
في سنة 1998 صدر في حقه حكم ابتدائي جنحي عن المحكمة الابتدائية بمدينة سلا بتاريخ 07 يناير في الملف الجنحي التلبسي عدد 21/ 98/1، القاضي بإدانته بخمس سنوات حبسا نافذا وغرامة مالية قدرها 5000 درهم، بعد متابعته بتهمة النصب والاحتيال على أحد المواطنين بادعائه القدرة على التدخل لدى مسؤول كبير في وزارة العدل من أجل كسب قضية كانت معروضة على القضاء مقابل الحصول على مبلغ قدره 16 مليون سنتيم، وذلك بعد اعتراف المحرشي أمام الضابطة القضائية بالمنسوب إليه.
وأحيل الملف على محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 25 فبراير سنة 1998، وصدر في حقه القرار الاستئنافي عدد 8871 بتاريخ 6 أكتوبر 1998 في الملف عدد 1979/98، يقضي بتأييد الحكم الابتدائي مع تخفيض العقوبة الحبسية إلى سنتين حبسا نافذا مع إقرار الباقي، وبررت المحكمة قرار تخفيض العقوبة الحبسية بالظروف الاجتماعية للمتهم المحرشي، لكونه يعمل خياطا بسيطا ومتزوجا وأبا لأطفال، وتم تأييد هذا الحكم برفض طلب النقض من طرف المجلس الأعلى للقضاء في قراره رقم 3/3395 بتاريخ 17 نونبر 1999 في الملف الجنحي عدد 22600/98، وبرر المجلس قراره بكفاية وقائع النازلة بكل تفصيل التي استندت عليها المحكمة لإصدار الحكم وتعليله، وكذلك اعترافات المحرشي في محاضر الضابطة القضائية وعلى حالة التلبس، وبناء على ذلك أصبح الحكم الصادر في حقه حكما نهائيا، وأصبح يحوز قوة الأمر المقضي به.
بعد أربع سنوات من صدور الحكم النهائي في حقه، بدأ المحرشي مساره السياسي والانتخابي أثناء مشاركته في الانتخابات الجماعية التي جرت بتاريخ 12 شتنبر سنة 2003، وانتخب رئيسا لمجلس جماعة “سيدي أحمد الشريف”، بناء على شهادة مدرسية مشكوك في صحتها، تفيد بأنه تابع دراسته في السنة الأولى إعدادي بإعدادية تسمى “خالد بن الوليد” بجماعة “سيدي رضوان” التابعة للنيابة الإقليمية سيدي قاسم، وكان مسجلا تحت رقم 16585، قبل أن يغادر المؤسسة في 30 يونيو 1986، لكن وثائق صادرة عن وزارة التربية الوطنية ومندوبيتها بإقليم وزان، تؤكد أن إعدادية “خالد بن الوليد” لم يكن لها وجود في الواقع سنتي 1985 و1986، وهو الموسم الذي تقول الشهادة المدرسية إن المحرشي درس بها سنته الأولى بسلك الإعدادي، ولم تفتح أبواب تلك الإعدادية إلا بعد سنة 1988، ما يعني أن الشهادة المدرسية التي أدلى بها المحرشي تتضمن معلومات خاطئة لا تمت بصلة إلى الواقع.
وفي إطار التجديد الثاني لثلث أعضاء مجلس المستشارين على إثر نتائج القرعة المجراة بتاريخ 9 يوليوز 2003 جرى يوم 6 أكتوبر 2003 الاقتراع الخاص بانتخاب ثلث أعضاء مجلس المستشارين، وفاز العربي المحرشي بمقعد برلماني ممثلا للجماعات المحلية باسم حزب العهد، ثم انتخاب برلمانيا بمجلس المستشارين سنة 2009 عن حزب العهد الديمقراطي قبل اندماجه بحزب الأصالة والمعاصرة، كما ترأس المجلس الإقليمي لمدينة وزان لولايتين، ومازال يترأسه حاليا، كما انتخب نائبا لرئيس غرفة الفلاحة لجهة الشمال باسم حزب الاستقلال، وبعد التحاقه بحزب الأصالة والمعاصرة، وأصبح عضوا بالمكتب السياسي ورئيس الهيئة الوطنية للمنتخبين، وتحكم في عملية توزيع التزكيات على المرشحين على عهد ولي نعمته إلياس العماري في الانتخابات الجماعية والبرلمانية الأخيرة، ومنها تزكية ابنته وئام التي دخلت إلى مجلس النواب رغم أنها كانت لا تزال تتابع دراستها بجامعة الأخوين.
لذلك فالذين يتابعون هذا الوجع داخل الحزبين وينتظرون أن يتمخض عن مولود ما عليهم سوى أن يؤجلوا فرحتهم لأن الأمر يتعلق بحمل كاذب.