بقلم: خالص جلبي
قصص التاريخ عجيبة ومآسيه فظيعة. لا أدري مع أن تدمير بغداد تم قبل 765 سنة، إلا أنني أغص كلما تذكرت ذلك الشتاء الذي مر على المنكوبين في العاصمة الخالدة بغداد، بتعداد وصل إلى ما يقرب من مليونين من السكان، فتحولت العاصمة في أربعين يوما إلى أنقاض، لم تقم لها قائمة بعد ذلك اليوم وحتى الساعة.
صحيح أنها عاصمة العراق الحديث، ولكن شتان بين العاصمة العالمية القديمة والمدينة الجديدة. وفي الواقع فإن المغول، ذئاب آسيا، حصل لهم أمر استثنائي من خروج زعيم بينهم وحد صفوفهم بقوة السيف والحرب والغزو والنهب، ونظام عسكري صارم وجاسوسي بارع، وهمة بدوي لا يعرف النوم. وهكذا في منتصف القرن الثالث عشر الميلادي حلت كارثة مزدوجة بجناحي العالم الإسلامي، فسقطت الحواضر الإسلامية في الأندلس تباعا: 1236 م بالنسيا، 1238م قرطبة، 1248 م إشبيلية، وبعدها بعشر سنوات في شتاء 1258م سقطت حاضرة الخلافة الإسلامية لتنتقل إلى يد المماليك، ومن ثم إلى الأتراك الذين تصدروا المشهد لمدة ستة قرون، حتى سقطت الخلافة في 3 مارس من عام 1924م.
وحديثنا الحالي هو عن البلاء الذي أصاب المنطقة، من زحف المغول غربا، حتى أوقفهم المماليك في معركة عين جالوت في فلسطين، التي جرت أحداثها في 25 رمضان عام 658 هـ، الموافق للثالث من شتنبر 1260 ميلادي، ولم يكن امتداد المغول فقط نحو الحواضر الإسلامية، بل سال لعابهم لالتهام اليابان غربا، وينقل لنا التاريخ أنها كانت حملة لم يعرف لها تاريخ البحار مثيلا، حتى حملة النورماندي التي قادها الحلفاء ضد النازيين لم تكن بتلك الكثافة، فبعد أن انساح المغول غربا، دمروا الممالك، حتى أحرقوا بغداد وحلب وبلاد اليوغسلاف وجنوب روسيا، والتهموا الصين مثل قطعة «الكاتو» اللذيذة، فلم يبق في وجههم إلى الشرق سوى هذه الجزر الغامضة المحتشدة بأناس نشيطين، على رأسهم الساموراي من حملة السيف بالالتحام المباشر.
وحين مات جنكيز خان عن عامه الستين ونيف، كان قد ترك خلفه دمارا كونيا ومملكة هائلة وشعبا مغوليا موحدا يقرأ الألياسة، حسب قوانين الخان الأعظم. مثل قراءة المسلمين وتقديسهم القرآن. وبعد أن جاء ابنه قوبلاي خان، رأى أن مسألة اليابان سهلة فهي قريبة ولا طاقة لهم بخيالة المغول سوى أن يحملوا إلى هناك فقط، ولكن كيف يمكن حمل 140 ألف فارس؟
لقد أمر الخان الأعظم قوبلاي أن تجند أربعة آلاف سفينة لحمل 140 ألف مقاتل من خيرة مقاتلي المغول.. ويجب أن تبنى هذه السفن في عام واحد، وهذا كان أقرب للاستحالة، ولكنها أوامر العاهل الأعظم فلا راد لكلمته. استنفرت الصين وما حولها ومئات الآلاف من المستخدمين الأرقاء، وتم ترشيح آراكان، القائد المغولي المحنك، لهذه المهمة. وإذا عرفنا أن إسبانيا في معركتها الحاسمة الآرمادا عام 1570 استطاعت تجنيد 270 سفينة في جهد ثلاث سنوات، والحلفاء في إنزال النورماندي 1600؛ فيجب أن نفكر في حجم حملة المغول على الصين بأربعة آلاف سفينة! ولكن التاريخ يخبرنا أن هذه الحملة اختفت وكأنها ملح ذاب في الماء، وبدأت إمبراطورية المغول في التفكك، فكان عاقبة التوسع المغولي كارثة عليهم، كما هو الحال اليوم في التوسع الأمريكي في العالم بـ64 قاعدة في العالم، وحاملات الطائرات المكلفة، مما جعل الكاتب الأمريكي كينيدي، صاحب كتاب «صعود وسقوط القوى العظمى»، يتنبأ بسوء المآل لبلده.. وهي شهادة جدية يجب أخذها على محمل الجد.
وبقي سر اختفاء حملة قوبلاي خان غامضا، حتى جاءت الصدفة حين أحضر صياد سمك أمام جزيرة هوكايدو قطعة غامضة قذف بها البحر، كانت القطعة ختما يستعمله قائد
الـ 100 من الجنود الـ140 ألفا المختفين، مما جعل عالما يابانيا يتابع البحث والغوص في المنطقة ليصل إلى هذا التقرير. إن ما أهلك الحملة التي زودت بكل أنواع الأسلحة بما فيها قنابل يدوية من صناعة صينية، أهلكهم رب العالمين بصاعقة مثل صاعقة عاد وثمود، فقد غضب البحر عليهم غضبا شديدا فأرسل التايفون، وهو ما يذكر بالتسونامي التي لن ينساها البشر قط. بالطبع حاول المغول النزول إلى الساحل لبناء رأس جسر، وكادوا أن ينجحوا، ولكن رجال الساموراي صدوهم أياما قليلة، فبقوا في سفنهم في البحر.. حتى جاء غضب الرب عاجلا. ولذا يسميها اليابانيون الريح الإلهية.
ومع هذا يقول الباحث الياباني إن هناك سرا إضافيا، هو إن أوامر الخان الأعظم بالعجلة في البناء جعلتهم يصادرون كل سفينة غصبا، كما جاء في قصة موسى مع الرجل الصالح. والكثير منها كان يناسب النهر وليس البحر؛ فلما اشتدت الريح، انقلبت السفن بسهولة، فحملت جماجم تلك الذئاب البشرية إلى بطن سمك القرش. بعدها بدأ التمدد المغولي في الانكماش حتى دالت دولتهم وفل حدهم وانكسرت شوكتهم، ومنها وقف أمواجهم في معركة عين جالوت في فلسطين، على يد الخيالة الشراكسة.. والله وارث الأرض ومن عليها.. ولقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب.
نافذة:
ما أهلك الحملة التي زودت بكل أنواع الأسلحة بما فيها قنابل يدوية من صناعة صينية أهلكهم رب العالمين بصاعقة مثل صاعقة عاد وثمود