حملة انتخابية مع المهدي بن بركة
يونس جنوحي
وسط ضجيج الاستقالات التي توضع هذه الأيام فوق مكاتب فروع الأحزاب في السباق الانتخابي، لا يسع الواحد منا إلا تأمل المصير الذي آلت إليه أحزاب عمّرت في تاريخ الانتخابات يا حسرة.
وفي غمرة هذا اللغط، انتشلنا الدكتور الأمريكي «ستيوارت شار» لكي يحملنا إلى سياق انتخابي آخر من زمن ستينيات القرن الماضي.
هذا الدكتور الأمريكي الذي تخرج من جامعة «برينستون» الأمريكية سنة 1966 أعد أطروحة مهمة عن المغرب التقى أثناء الإعداد لها مع سياسيين مغاربة شيوخا وشبابا وعددا من النخب.
هذا الدكتور الذي قضى فترة الحجر الصحي الأخيرة معتكفا في شقة صغيرة في نيويورك يرتب أرشيفه الخاص، تحدث عن جولة قام بها مع المهدي بن بركة خلال حملة 1962 للانتخابات، باسم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
وكتب الدكتور ستيوارت، الذي التزم هذه الأيام بنشر مقالات منتظمة يتحدث فيها عن تجربته الأكاديمية والشخصية في المغرب، حيث قضى سنتي 1962 و1963 في دراسة سياسات المغرب وإعداد بحث الدكتوراه الذي خصصه لموضوع «صراع القرن 19 والتغيير في المغرب».
ويفضل الدكتور ستيوارت أن يطلق على مرحلة بداية الستينيات في المغرب: «زمن القادة» أو «القيادات». بحكم أنه التقى أغلبهم وأعد معهم حوارات سياسية حول أفكارهم وأحزابهم وقناعاتهم السياسية وأيضا تأملاتهم للوضع المغربي بعد الاستقلال واستشرافهم للمستقبل. وحوّل تلك الحوارات إلى محاور لأطروحته التي نال بها درجة الدكتوراه في الولايات المتحدة الأمريكية.
نمت صداقة متينة بين الدكتور ستيوارت والمهدي بن بركة، حيث بدأت هذه الصداقة في المغرب، خلال فترة إعداده للأطروحة، ونمت عندما غادر بن بركة المغرب في نفس السنة، حيث كان يلتقيه مع مجموعة من الشخصيات المغاربية في باريس.
وقبل أن ينتقل للحديث عن مرافقته للمهدي بن بركة في الحملة الانتخابية للحزب، يقول إنه كان أيضا صديقا لعبد الرحيم بوعبيد، حيث كان يزوره في منزله بمنطقة «بطانة» في مدينة سلا.
يقول الدكتور ستيوارت إن حواره مع عبد الرحيم بوعبيد جاء فيه أن هذا الأخير كان غاضبا جدا من موقف محمد الفقيه البصري وكان يتساءل متى سيصبح المهدي بن بركة أكثر حذرا.
إذ أن الدكتور ستيوارت يؤكد أنه رافق المهدي بن بركة في سيارته الخاصة وقام معه بجولة في عدد من المدن التي كان يعقد فيها تجمعات خطابية خلال الحملة الانتخابية، حيث كان يحتشد الآلاف لمشاهدة بن بركة وسماع خطاباته الحماسية داعيا سكان المدن إلى التصويت على مرشحي الحزب.
ويقول الدكتور ستيوارت إنه مرة ترجل من سيارة المهدي بن بركة ووقف بعيدا يسمعه وهو يخطب في المنصة أمام الجماهير، وأخبرهم بموقفه المتطرف جدا من النظام الملكي. وعندما سأله ستيوارت لماذا عبّر عن موقفه بتلك الحدة، أبدى عدم ندمه على تصريحاته في التجمع الخطابي وكأنه كان يتعمد الإدلاء به في حضور عدد من الأشخاص الذين كانوا يلاحقونه خلال الحملة.
وعندما ذهب الدكتور ستيوارت مرة إلى السفارة الأمريكية، بحكم أنها كانت توفر له الحماية أثناء اشتغاله على أطروحة الدكتوراه، لكي يخبرهم بمخاوفه من حدة مواقف المعارضة المغربية خلال الحملة الانتخابية، طلبوا منه أن يطلعوا على مضامين جميع الحوارات التي أنجزها مع القادة السياسيين في المغرب.
رحم الله ذلك الزمن الذي كانت فيه السفارات تهتم بحوارات السياسيين المغاربة. فها نحن نرى اليوم أن عددا كبيرا ممن يسمون أنفسهم «قيادات» يغيرون انتماءاتهم الحزبية في رمشة عين ويبحثون عن تزكيات لهم ولأحبائهم باسم أحزاب عتيدة، ويلحون باستقالاتهم من أحزاب سياسية أوصلتهم إلى الوزارات، فقط لأن أحدا ما في «الرباط» عارض تزكية أبنائهم.