حلبة الجماعات المحلية
ما وقع للبطل العالمي مصطفى لخصم، الذي كانت له الشجاعة في خوض غمار الانتخابات والمشاركة في تسيير الشأن العام المحلي، بكل ما يحمل من أعطاب وتراكمات الفساد وسيطرة الأعيان والعلاقات المتشابكة والمعقدة، وتوريث المناصب، هو أنه ظن عن حسن نية، أن تحمل مسؤولية رئيس جماعة يشبه دخول حلبة الملاكمة، إذ يكفي التدريب والتحضير الجيد وقراءة الخصم، والتعامل لدقائق مع مجريات المباراة لينتهي الأمر بالفوز، وتحقيق الألقاب بحضور الجمهور ولجنة التحكيم التي تتابع كل شيء بشكل مباشر ويصعب عليها الانحياز أو المجاملة.
الواقع السياسي بالجماعات الترابية بالمغرب، على غير مباراة الملاكمة تماما، والفساد لا يمكن إسقاطه بضربة قاضية ولا جولات في دقائق بربح النقط، إذ يتعلق الأمر بدخول مجال يحتد فيه الصراع حول المصالح الشخصية الضيقة ومصالح اللوبيات المتحكمة، والتوازنات والعلاقات التي حولت الأحزاب لما يشبه الضيعات الشخصية، حيث يتم التدرج وتسلق المناصب وفق القرب من المركز وليس الكفاءة ومعايير النزاهة والشفافية إلا في استثناءات قليلة لا يقاس عليها.
هناك من نصح لخصم بعدم خوض تجربة الانتخابات من الأصل، سيما في ظل الظرفية الراهنة، والتفرغ للعمل الجمعوي والرياضي، في انتظار أن تنضج فكرة المشاركة السياسية أكثر، لكن البطل العالمي اختار المشاركة السياسية عن اقتناع بمشاركته في التغيير، وهي شجاعة تحسب له، لكن هناك تضحيات يجب عليه أن يكون واعيا بها، وهي أن المس بمصالح اللوبيات المتشابكة والمعقدة، ليس بالأمر الهين تماما، ويحتاج الأمر ممارسة السياسة وفن الممكن، لتنفيذ البرامج والأهداف خارج الاصطدام ووفق المرونة المطلوبة، والحكمة التي تراعي الزمان والمكان.
ليس هناك من يملك عصا موسى، كي يضرب بها المجالس الجماعية، فتصبح الصفقات العمومية والتسيير والميزانيات وملفات التدبير المفوض تسير بشكل ديمقراطي، بل يتطلب الأمر تحقيق تراكمات، والتوغل داخل الأحزاب والمؤسسات، والقراءة الصحيحة للواقع، من أجل استغلال الحكمة في محاربة كافة الحيل التي يستعملها من تمكنوا من المناصب والمكاسب ويخلقون الضبابية المصطنعة التي تضمن تسللهم لصناديق المال العام خارج المراقبة والمحاسبة.
أن تكون رئيسا لجماعة، تحتاج إلى أغلبية عددية لتمرير المقررات، وهذه الأغلبية تتشكل من مستشارين قامت أحزاب بتزكيتهم وفق معايير يعلمها الجميع، والأكيد أنه دون خلق توازنات لاستمرار هذه الأغلبية، يصبح الرئيس معزولا ولا يمكنه عقد دورات أو قضاء حوائج الناس وتنفيذ الوعود الانتخابية، فينقلب الجميع ضده رغم كون نيته حسنة، وبغض النظر عن صواب قراراته من خطئها، لذلك من يغامر بالمشاركة السياسية يجب أن يكون جاهزا للتضحية التي قد تصل إلى ما وصل إليه لخصم من شكايات ضده وتحقيقات وتقديم أمام النيابة العامة المختصة.
إننا لسنا في جنة ديمقراطية ولا جهنم دكتاتورية، بل أمام إصلاحات تسير ببطء شديد، وتتطلب مشاركة الجميع والالتزام بالتوجيهات الملكية التي تحدثت مرات متعددة عن تخليق العمل السياسي، وخدمة المواطنين وفق الجودة، والكف عن التطاحنات والصراعات التي تعطل التنمية وتضيع وقتا ثمينا لكسب رهان التشغيل ومحاربة الفساد وترسيخ دولة المؤسسات.
ما وقع للخصم، هو تجربة إيجابية في تسيير الشأن العام، والمشاركة في الانتخابات، والاحتكاك بالواقع، وتأكيده على أنه يثق في القضاء والمؤسسات للبحث والتدقيق في الشكايات الموجهة ضده، هو بداية جيدة في تدبير الملف، خارج من يريد استغلاله بطرق ملتوية لضرب ثقة المهاجرين في بلدهم أو اللعب على وتر العاطفة لتحقيق أجندات خاصة.