حكومة متجانسة ومتضامنة
مع كل محطة لتشكيل الحكومات، تطفو إلى السطح عناوين التجانس والتضامن والمسؤولية الجماعية لوزراء الحكومة ولغطائها السياسي المتمثل في التحالف الأغلبي، ولحد اليوم لم نعثر على الوصفة التي تصنع لنا حكومة متضامنة ومتجانسة وتشعر بالمسؤولية الجماعية، لكن الوصول إلى حكومة بهذه المواصفات لم يعد طموحا نسعى إليه بالتمني وبالخطاب والأقوال. لقد باتت اليوم أكثر إلحاحاً خصوصاً بعد تجربتين مريرتين أهدرتا الكثير من الزمن السياسي في احتراب داخلي بين مكونات التحالف وضيعت على المغاربة فرصتين كبيرتين لتحقيق قفزات على سلم التنمية، والأكيد أن التداعيات الاجتماعية والخسائر الاقتصادية جراء وباء كورونا تجعل من حكومة مسؤولة بشكل جماعي ومتضامنة في ما بين مكوناتها قدرا حتميا لا مفر منه.
نحن لا نقصد هنا بالمسؤولية الحكومية ذلك المبدأ القانوني والدستوري الأساسي في الأنظمة البرلمانية، الذي يقضي بأن الوزراء مسؤولون أمام البرلمان عن إدارة وأعمال وزاراتهم، وإدارة وأعمال حكومتهم ككل. نحن نتحدث عن المسؤولية بالمعنى السياسي والتي تتخذ مظهرين، المظهر الأول هو مسؤولية كل الوزراء عن أعمال الحكومة ككل باعتبارها وحدة واحدة، والثاني هو المسؤولية السياسية للتحالف المشكل للأغلبية عن القرارات التي تتخذها السلطة التنفيذية سواء السلبية أو الإيجابية. فلا يمكن لحزب من أحزاب التحالف أن يهرول لتبني القرارات الجيدة إذا قام به وزيره ويختبئ وراء رئيس الحكومة والحزب المتصدر إذا كان القرار سيئا، فالمسؤولية الجماعية تقتضي تحمل الأعباء والإنجازات في السراء والضراء.
وبطبيعة الحال، إن هدف التجانس والتضامن الحكومي لا يمكن أن يتحقق وسط طغيان المصالح الخاصة والصراعات الشخصية أو النزاعات الحزبية المفتعلة أو بين وزراء يعملون من منطلقات فردية، أو إذا هيمنت لعبة تَصيّد الأخطاء والهفوات من هذا الوزير أو ذاك. ولنسمي الأشياء بأسمائها، لا نريد أن نعيش مرة أخرى مع حكومة يسود بين مكوناتها التنافر والتطاحن والترامي بالمسؤولية، لا نريد كذلك أن يجد الرأي العام نفسه مع ذوات فردية مزاحية، لا يمكن توقع سلوكها وموقفها السياسيين، لا نريد أن نضيع المزيد من وقت المغاربة في يوميات لجم مسؤولين غير منضبطين يقولون أي شيء متى يشاؤون وكيف يشاؤون.
لذلك فالعبء الكبير سيقع على عاتق رئيس الحكومة عزيز أخنوش الذي عليه أن لا يبدد الكثير من وقته وطاقته من أجل إدارة التفاعلات الشخصية المزاجية داخل فريقه الوزاري والأغلبي على حساب تدبير شؤون الدولة، وفي الوقت نفسه على رئيس الحكومة، بما يملكه من اختصاصات وصلاحيات سياسية ودستورية، أن يحول الأصوات الشاردة والأفعال الغريبة إلى سمفونية جميلة تطرب المغاربة بسياسات وقرارات وتدابير تحسن من وضعية عيشهم.