إعداد: محمد اليوبي – كريم أمزيان
تسبب ملف «الأساتذة المتدربين» في أزمة داخل البيت الحكومي كادت تعصف بتحالف الأغلبية المشكلة للحكومة الحالية، وليست هذه الأزمة الوحيدة التي مرت منها الحكومة، فمنذ تشكيلها قبل خمس سنوات، وهي تعرف توالي مسلسل الأزمات، بمعدل أزمة في كل سنة، لتبقى الإصلاحات الكبرى ومعها مصالح المغاربة في قاعة الانتظار الحكومية، بسبب حالة الارتباك والارتجالية التي تطبع العمل الحكومي، ما أضاع الكثير من الوقت، وأصبح هاجس بنكيران هو إنقاذ حكومته من السقوط.
يبدو أن متاعب رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران لا تنتهي، في ظل توالي مسلسل الأزمات التي تعرفها حكومته منذ السنة الأولى من ولايتها. وعلى بعد أشهر قليلة من نهاية الولاية الحكومية، برزت أزمة داخل البيت الحكومي كادت تعصف بالتحالف الحكومي، فيما لوح قادة حزب العدالة والتنمية بتنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها.. كل هذا يتزامن مع الاحتجاجات التصعيدية التي تخوضها المركزيات النقابية ضد مشاريع القوانين المتعلقة بإصلاح أنظمة التقاعد، والتي مازالت في وضعية «البلوكاج» داخل مجلس المستشارين. ففي عهد حكومة بنكيران، كان أن توالت الأزمات لتشمل جل القطاعات الحكومية، في الوقت الذي تتهم قيادة حزب العدالة والتنمية، حزب الأصالة والمعاصرة، وعلى وجه الخصوص أمينه العام، إلياس العماري، بالوقوف وراء هذه الأزمات التي تهدف إلى إرباك العمل الحكومي. وعكس ذلك توجه المعارضة اتهامات لرئيس الحكومة نفسه بالوقوف وراء اختلاق هذه الأزمات من أجل تحويل الأنظار عن حقيقة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تهز البلاد، والمرشحة للتفاقم في ظل حكومة عاجزة عن تدبير خلافاتها الداخلية، وبالأحرى تدبير شؤون البلاد المستعصية.
مسلسل الأزمات لا ينتهي
كانت أول أزمة كادت تعصف بأول حكومة أفرزتها أول انتخابات تشريعية جرت في ظل الدستور الجديد، وهي الانتخابات التي أفرزت نتائجها خريطة سياسية جديدة، بوصول حزب العدالة والتنمية إلى قيادة الحكومة، بعدما احتل الرتبة الأولى في نتائج الانتخابات، وتمخضت المفاوضات العسيرة التي قادها الأمين العام للحزب، بعد تعيينه في منصب رئيس الحكومة، عن تشكيل الحكومة في نسختها الأولى، بمشاركة أحزاب الاستقلال والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية. لكن بعد مرور سنة ونصف، قرر حزب الاستقلال الانسحاب من الحكومة، وتم تعويضه بحزب التجمع الوطني للأحرار، لاستكمال الولاية الحكومية. لكن ورغم مرور قرابة خمس سنوات على الولاية الحكومية، مازالت أغلبية بنكيران تواجه تحدي الاستقرار.
بعد التحاق حزب التجمع الوطني للأحرار بصفوف التحالف الحكومي، عرفت الحكومة بعض الاستقرار، لكنه لم يدم طويلا، لتتفجر أزمة أخرى، لكن هاته المرة مع الوزراء التقنوقراط داخل الحكومة. كانت الأولى مع وزير التربية الوطنية رشيد بلمختار، عندما وبخه بنكيران في جلسة برلمانية دستورية، بخصوص المذكرة التي وجهها إلى مديري الأكاديميات لاعتماد اللغة الفرنسية في تدريس بعض المواد العلمية، لكن بلمختار انحنى للعاصفة دون سحب المذكرة كما طلب منه رئيس الحكومة، بل الأكثر من ذلك، أصر على تنزيل الاستراتيجية الوطنية لإصلاح التعليم بشكل انفرادي دون انتظار صدور قانون- الإطار المنظم للعملية، والذي تشرف عليه لجنة تقنية شكلها رئيس الحكومة.
بعد ذلك، برزت أزمة ثالثة، عندما قسمت المادة 30 من مشروع قانون مالية 2016، المتعلقة بصندوق تنمية العالم القروي، الأحزاب المكونة للأغلبية الحكومية، إذ وجه حزب التجمع الوطني للأحرار صفعة قوية إلى عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، بعد تشبث فريقه النيابي بالعمل وفقاً لما جاء في مشروع القانون، معبراً عن موقف مساند لإشراف عزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري، عليه. وبينما طالب فريق حزب العدالة والتنمية، بـ«احترام المنطق الدستوري ومنطق العمل داخل المؤسسات وتراتبية المسؤوليات بخصوص مقتضيات المشروع المتعلقة بتنمية العالم القروي، وتجاوز أي تشويش على مشروع قانون مالية 2016»، ما يعني حسبه «إعادة النظر في المقتضيات الواردة في المشروع بخصوص صندوق تنمية العالم القروي بعيداً عن الحساسيات والحسابات»، أكد فريق التجمع الوطني للأحرار «أن الحزب متشبث بأن يكون صرفه مطابقاً لما جاء في المشروع». وأشار فريق «الحمامة» بمجلس النواب، وهو يوجه كلامه لفريق العدالة والتنمية، بنبرة صارمة، إلى أن «حزب التجمع الوطني للأحرار يأمل أن تتقاسم الفرق البرلمانية للأغلبية هذه القناعة، حفاظاً على الانسجام والعمل المشترك الذي ميز عمل الحكومة»، وهو ما فسره البعض بكونه، «دفاعا مستميتا عن بقاء صلاحية الآمر بالصرف التي خلقت الجدل في يد وزير الفلاحة».
وبعد ثلاثة أشهر من ذلك، اندلعت أزمة أخرى داخل البيت الحكومي، عندما وقع عزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري، ومحمد بوسعيد، وزير الاقتصاد والمالية، مع شركة «ساهام» للتأمين، المملوكة لوزير التجارة والصناعة والاستثمار الرقمي، حفيظ العلمي، اتفاقية للتأمين الفلاحي، حيث تحركت قيادة حزب العدالة والتنمية لشن حملة ضد الوزراء الثلاثة وصل صداها إلى المجلس الحكومي، ليتدخل رئيس الحكومة مرة أخرى لتهدئة الأوضاع داخل حكومته، بعدما اتخذ حفيظ العلمي، قرار «تجميد» الاتفاقية لفتح المجال أمام شركات أخرى منافسة للمشاركة في الصفقة، وبقيت تداعيات هذا الملف مستمرة، بعد التوتر الذي تسببت فيه بين حزبي العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار، وظهر ذلك جليا خلال المجلس الوطني لحزب «الأحرار» عندما ألقى مزوار كلمة هاجم من خلالها رئيس الحكومة، وصلت إلى حد اتهامه بممارسة التحكم، واتهامه بالخوف والجبن، وأنه «عراب» التنظيم الدولي للإخوان المسلمين بالمغرب.
وخلال الأسبوع الماضي، مرت الأغلبية الحكومية من أزمة غير مسبوقة، بعد البلاغ الذي أصدره رئيس الحكومة، ردا على الرسالة الجوابية التي وجهها وزير الاقتصاد والمالية، محمد بوسعيد، إلى حزبي الأصالة والمعاصرة والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والتي كشف من خلالها عن إمكانية وجود حل لملف الأساتذة المتدربين، وهو ما أغضب قيادة حزب العدالة والتنمية التي قررت الرد على بوسعيد واتهامه بالتواطؤ مع إلياس العماري لإحراج بنكيران أمام الرأي العام، وهو ما اعتبر قياديون بحزب التجمع أنه «يحمل عبارات الإهانة للوزير التجمعي بوسعيد، كما أنه يمارس الوصاية على أعضاء الحكومة». وطغى موضوع مراسلة بوسعيد إلى فريقي الأصالة والمعاصرة والاتحاد الاشتراكي بمجلس المستشارين، على اجتماع الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، حيث طالب قياديون بنكيران بالرد السريع على مبادرة الوزير بوسعيد، حيث وجهوا له اتهامات بـ«التواطؤ مع حزب الأصالة والمعاصرة»، وقررت الأمانة العامة للحزب الحاكم الرد على هذه المبادرة ولو تسببت في خروج «الأحرار» من الحكومة، حيث لوح قياديون بتنظيم انتخابات سابقة لأوانها أو استمرار حكومة أقلية إلى غاية تنظيم الانتخابات في موعدها.
الأزمات الحكومية وتعطيل الإصلاحات الكبرى
دخلت «الإصلاحات الكبرى» التي أعلنها عبد الإله بنكيران ضمن برنامجه الحكومي، إلى قاعة الانتظار، بعد إهدار الكثير من الزمن لمعالجة الأزمات التي تندلع داخل البيت الحكومي، وما ترتب عن ذلك من ارتباك سياسي واقتصادي كانت له تأثيرات سلبية على العديد من القطاعات الحيوية التي عرفت حالة من الجمود. ومن بين أبرز الملفات التي تتطلب التعجيل، تنزيل مقتضيات الدستور الجديد والعمل على مواكبة المستجدات التي جاء بها، وبالتالي ممارسة صلاحياتها الدستورية على الوجه المطلوب لترجمة الانتظارات الاجتماعية في مجالات الصحة والتعليم والشغل والعدالة الاجتماعية والقضاء، خاصة أن بنكيران كان قد تعهد، خلال برنامجه الحكومي، بجعل ولاية حكومته الحالية، ولاية استثنائية نظرا لحجم المهام المطروحة عليها، خاصة في الجانب المتعلق بتنزيل الدستور، فإنه أصبح الآن أمام حيز زمني ضيق لا يتعدى خمسة أشهر، لاستكمال الورش الدستوري، وتجاوز عجز حكومته السابقة في إحراز أي تقدم في هذا الإطار .
إن رهان تفعيل دستور 2011، خصوصا على صعيد إخراج مشاريع القوانين التنظيمية، يبقى قائما وملحا في ظل تأخر الحكومة في إخراج القوانين التنظيمية المكملة للدستور، ومنها على الخصوص القانون التنظيمي لترسيم الأمازيغية، والقانون التنظيمي للإضراب، والقانون التنظيمي للنقابات، وهو ما يستوجب على الجهاز التنفيذي والتشريعي الرفع من وتيرة الأداء لإخراج هذه القوانين قبل نهاية الولاية الحكومية الحالية. وعلى المستوى الاقتصادي، هناك العديد من التحديات التي تواجه الحكومة الحالية، أبرزها القدرة على مواجهة تداعيات الوضعية الاقتصادية، مع مراعاة متطلبات الأوضاع الاجتماعية للمواطنين المغاربة الذين طال انتظارهم لتنفيذ الوعود التي جاءت بها حكومة بنكيران. كما تتجلى تحديات الحكومة الحالية في تجاوز المشاكل الاقتصادية، بعد تسجيل تراجع معدل النمو وتفاقم العجز الذي تعرفه التوازنات المالية والاقتصادية، ولجوء الحكومة إلى إجراءات «لاشعبية» لتغطية هذا العجز، من خلال اتخاذ بعض القرارات التي أثارت العديد من الاحتجاجات.
قصة الصراع بين بنكيران ومزوار قبل وبعد التحالف الحكومي
في السياسة ليس هناك أعداء دائمون ولا أصدقاء دائمون كذلك، بل ثمة مصالح مشتركة.. هذا ما جسده بشكل لافت وظاهر رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، الذي مد يده إلى عدوه اللدود صلاح الدين مزوار، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، لإنقاذ حكومته من السقوط بعد الحرب الكلامية التي اندلعت بينهما أخيرا، ووصلت حدتها بعد الرسالة الجوابية التي وجهها وزير الاقتصاد والمالية، محمد بوسعيد، إلى رئيسي فريقي الأصالة والمعاصرة والاتحاد الاشتراكي بمجلس المستشارين، وهي التي اعتبرها بنكيران «طعنة في الظهر» تلقاها من وزيره بوسعيد.
وتعود قصة الصراع الشرس بين بنكيران ومزوار إلى الانتخابات التشريعية التي جرت نهاية سنة 2011، حيث كال فيها الطرفان كل أشكال السب والشتم والقذف في حق بعضهما، واستمرت حملة التراشق الإعلامي بينهما خلال بداية الولاية الحكومية الحالية، لكن بعد خروج حزب الاستقلال من الحكومة، لم يجد بنكيران أمامه سوى التحالف مع ألد خصومه على الساحة السياسية، من أجل إنقاذ حكومته من السقوط، فطرق باب حزب التجمع الوطني للأحرار، بعد صراع قوي بين الرجلين خلال الحملة الانتخابية التي جرت خلال شهر نونبر من سنة 2011، والتي بوأت حزب العدالة والتنمية الرتبة الأولى التي جعلته يقود الحكومة الحالية. وبعد الكثير من السب والشتم والقذف في حق الطرفين ومن كليهما، ها هما الخصمان المتصارعان في السابق حليفان اليوم ضمن الأغلبية الحكومية، بعد مشاورات عسيرة، توجت بمنح حزب «الحمامة» ثماني حقائب وزارية، فضلا عن منصب رئيس مجلس النواب. ولكن بالرغم من دخول الحزب إلى الحكومة، لازالت تداعيات الحملة التي شنها ضدها تلقي بظلالها على الوضع السياسي.
ونال رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار صلاح الدين مزوار، الكثير من سباب وهجمات بنكيران، إذ اعتبره تارة لقيطا سياسيا ولد فجأة ليرأس حزبا سياسيا دون أن يملك «شرعية» نضالية و»عقدا» تاريخيا يثبت به سلامة بنوته للسياسة أو للحزب الذي جيء به إليه، حسب تعبير بنكيران. ومواقع التواصل الاجتماعي تشهد على الكثير من مسلسل تلك الخصومة بين الرجلين والقاموس اللغوي المستعمل فيها والخارج عن قاموس السياسة. وبعيدا عن حق التحفظ، وفي أوج الصراع بين مزوار وبنكيران في العام 2011 خلال حملة التشريعيات التي ستأتي بعبد الإله بنكيران رئيسا للحكومة، خاطب الأخير مزوار: «أقول لسي مزوار، غادي ننصحك نصيحة لله، ابتعد عن رئاسة الحكومة راها بزاف عليك.. رئاسة الحكومة باش تدير لفلوس داز وقتها، رئاسة الحكومة ديال الوجاهة داز وقتها، اليوم راه أخويا القضية سخونة وصعيبة، والشعب المغربي قهر الخوف، ويطالب بحقوقه ويريد من يتحدث معه بوضوح وبصراحة، ماشي اللي يتخفى في التليفزيونات». قبل أن يضيف في مناسبة أخرى موجها كلامه إلى مزوار: «اسمح لي نقول ليك أ سي مزوار كيف المغاربة غادي يتيقوا فيك وهم لم يكونوا يعرفنوك حتى للبارح؟ هل سينسون كيف أصبحت رئيسا لحزبك؟ لو كان السي المنصوري نقولو بعدا ممكن، السي المنصوري حيدو ليك إلياس العماري باش تولي أنت أمين عام ديال الأحرار، لأن المنصوري رفض يطيع إلياس العماري وفؤاد عالي الهمة أكثر من لقياس، منين غادي تجيب الاستقلالية ديال القرار ومن غادي تجيب القوة لتتحمل مسؤوليتك في رفض التعليمات التي تأتي من أناس يدعون القرب من المحيط الملكي. أنت لا تملك هذه القوة وما عندكش، اسمح ليا ما فيدكش».
وقال بنكيران، في مناسبة أخرى ردا على أحد تصريحات مزوار: «السي مزوار قال حنا ماشي بحال تونس ومصر ولن نترك الإسلاميين يصلون إلى السلطة، وأنا أقول لسي مزوار: واش هاذ الكلام ديالك بعدا ولا قالوه ليك؟ بنكيران يقول لك: أنت مهزوز سياسيا».
قبل ذلك تيقن بنكيران بدهائه السياسي أن فوز حزبه في تشريعات 2011 مضمون أكثر من أي وقت مضى، لذلك حاول أن يترك منفذا يمكن أن يعود به إلى مزوار في حال احتاجه حليفا ذات يوم، فخاطبه قائلا: «خاص المعقول آ السي مزوار، لا انت ولا الناس اللي كيدفعوك، راكم غالطين، بعدوا من هذه الانتخابات راه من مصلحتكم. احنا إذا انتصرتم بطريقة شفافة ونزيهة، أنا غادي نقول ليك من اليوم هنيئا لك، ولكن ما تعولش عليا نكون فالحكومة ديالك، لأنني منصلاحش ليا. منرضاش وماشي في المستوى. إذا كنا حنا في رئاسة الحكومة وبغتي تولي وزير معنا ممكن نفكر فهذا، وزير ممكن أما رئيس الحكومة غير ممكن».
ورغم أن ردود صلاح الدين مزوار لم تكن بنفس حدة تلك الهجمات المتتالية التي تعرض لها من قبل بنكيران، الذي وصفه بـ«سليط اللسان»، مكتفيا في الغالب بردود اعتبرت هادئة «فيها لغة سياسية»، ولم يصدر عنه نقد يمكن أن يوصف بالقوي إلا ما كان قد قاله في يوم من الأيام من أن بنكيران «حلايقي»، قال في إشارة منه إلى بنكيران: «كاين السياسي اللي كيتعامل مع السياسة بحال لحلايقي، يقول إذا لم يفز حزبه في الانتخابات بالمرتبة الأولى، راه مكيناش الديمقراطية، عندما تسأله عن البرنامج الاقتصادي ديالو يرد هو النموذج التركي، وكينسا بأن تركيا بلد علماني وحنا دولة مسلمة».
هل يعود بنكيران إلى التحالف مع شباط بعد تواتر أزماته مع مزوار؟
مع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، بدأت فصول تصفية الخواطر بين الأحزاب السياسية، خصوصا بين تلك التي شهدت علاقاتها التوتر في مرحلة ماضية. فحزبا العدالة والتنمية والاستقلال، اللذان قطعا علاقاتهما ببعض، مع خروج حزب الاستقلال من الحكومة، عادا قبل تشريعيات السابع من أكتوبر، إلى نوع من الهدنة، منذ انتخابات رئيس مجلس المستشارين.
وخلافاً لما تم تداوله، بخصوص فرض رئيس الحكومة لشروط على حزب الاستقلال، مقابل تصويت مستشاري حزب العدالة والتنمية على عبد الصمد قيوح في انتخابات رئيس مجلس المستشارين، سبق أن أكد عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية أن حزبه لم يشترط على وفد حزب الاستقلال، الذي زاره في بيته، قبل أيام من إجراء الانتخابات، أي شروط مقابل التصويت على قيوح مرشح حزب «الميزان»، مبرزاً أن موقف الحزب «أملاه علينا ضميرنا».
وعاد بنكيران من جديد، في لقاء مع نواب ومستشاري حزبه، عقده في مقر حزبه بالرباط، إلى بعث رسائل الود إلى حزب الاستقلال، بقوله: «لم يسبق لي أن تحدثت بسوء عن حزب الاستقلال»، مذكراً أنه «كانت تحدث فقط بعض المناوشات مع حميد شباط أمينه العام»، مشيراً في السياق ذاته، إلى أنه كان في مناسبة خاطبه قائلاً: «قل ما تشاء في حقي، لكن بشرط أن لا تتحدث عن وزرائي بسوء».
وفي ظل الأزمة الحكومية التي كان يعيشها منذ أيام، بدا عبد الإله بنكيران ينتظر مبادرة حزب الاستقلال، خصوصاً من أمينه العام حميد شباط، تجاه الحكومة، متعلقة بما كان قد لوح به سابقاً، بعد إعلان نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة، في ما يخص المساندة النقدية للحكومة، ما يعني بحسب المتتبعين أن لا صداقة ولا عداوة دائمة في السياسة، إذ أوضح بنكيران في هذا الصدد، أن الاستقلاليين «يبدو أنهم فهموا جيداً، أنهم كانوا خاطئين، وأرجو أن يكون هناك المزيد من الوقت أمامهم، حتى يقوموا بدورهم التاريخي».
واعتبر المتتبعون أنه كان يقصد بذلك دعم حزب الاستقلال للحكومة ومساندتها، في ظل ما تعرفه مكوناتها من اضطرابات، معبراً عن «إحساسه بالطمأنينة بسبب كلام قياديي الحزب ذاته وأمينه العام».
وكاد بنكيران أن يعبر بشكل صريح، ويدعو حميد شباط إلى إعلان فك ارتباطه بأحزاب المعارضة، بسبب الأزمة التي أضحت تعرفها حكومته، قبل أن يحاول إظهار أريحيته بقوله: «أترك لهم الاختيار»، لينتقل في ما بعد إلى بعث رسائل الغزل إلى مكونات حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كذلك، الذي عبر عن إعجابه بموقف مستشاريه، الذين قرروا دعم قيوح مرشح حزب الاستقلال في محطة انتخابات رئيس الغرفة الثانية، ولم ينضموا إلى من وصفهم بـ «قوى التحكم»، إذ كان يقصد حكيم بنشماش مرشح حزب الأصالة والمعاصرة الفائز بالمنصب.
وبدا عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، متأثراً بما عرفه الحزب بخصوص تدبير التحالفات، في المرحلة التي جاءت بعد نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية، التي تم إجراؤها في الرابع من شتنبر الماضي، والتي لم يحقق فيها الحزب نتائج مرضية، معترفاً أمام منتخبي حزبه، الذين فازوا في الانتخابات الأخيرة، أن «حزب العدالة والتنمية لا يوجد لوحده في الساحة السياسية، بل هناك أطراف أخرى سماها «خصوماً»«، إذ لم يخف سعيه الحثيث، قبيل إجراء انتخابات رئيس مجلس المستشارين، وراء قطع الطريق أمام بنشماش، قائلاً بنبرة فيها الكثير من الغضب: «قاومناه بجميع الوسائل». واعترف بنكيران بأن بيته الحكومي مهدد بالانهيار، خصوصاً مع فترة الانتخابات الجماعية والجهوية، إذ أورد أنه «حافظ على تماسكه، باستعمال ما وصفه «غض الطرف»، على الرغبة الزائدة التي تعلنها الأحزاب المشكلة للتآلف الحكومي، في الحصول على نسبة مهمة من نتائج الانتخابات التي تأتي بعد التحالفات»، مؤكداً أنه يسعى فقط للحفاظ على «شمل الحكومة» إلى أن يحين موعد الانتخابات التشريعية المقبلة.
بلمختار يتحدى بنكيران بعد توبيخه تحت قبة البرلمان
وصلت حدة الصراع بين بنكيران وبلمختار، إلى درجة توبيخه أمام البرلمانيين في جلسة برلمانية كانت منقولة إلى الرأي العام الوطني، عبر القنوات التلفزية الرسمية، حيث نقل بنكيران خلافاته مع وزيره في التربية الوطنية، رشيد بلمختار، التي يمكن حلها داخل المجلس الحكومي، إلى جلسة مساءلته أمام البرلمان، عندما أكد عدم علمه بالمذكرة التي وجهها الوزير لتطبيق فرنسة المواد العلمية في سلك الباكالوريا، وطلب بنكيران من وزيره أن يترك الأمور الصعبة إلى وقت لاحق، بدعوى أن المذكرة «غادي تشعل النار».
وقال بطريقة ساخرة من الوزير «الملك اختارني أنا رئيسا للحكومة، ولم يختر بلمختار رغم أنه يعرفه قبلي»، ليكشف أنه وجه له رسالة يطلب منه التراجع عن تفعيل المذكرة، معلنا تشبثه بتطبيق قرار فصل التكوين عن التوظيف بالنسبة للأساتذة المتدربين بمراكز التربية والتكوين، وأخيرا، قال بنكيران عن وزيره المكلف بالتربية الوطنية «إنه يشتغل وكأنه خارج سلطة رئيس الحكومة». وفي ما يشبه التحدي، ضرب بلمختار عرض الحائط بكل انتقادات وملاحظات رئيسه في الحكومة، وشرع في تنزيل مضامين الرؤية الاستراتيجية 2016-2030 للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، وأكد أن الوزارة ستنزلها عبر32 مشروعا، منها 26 مشروعاً بالقطاع التربوي، ستة مشاريع تتعلق بالتكوين المهني، أما ما يخص الجودة، فقد شدد على أن الوزارة ستعمل على تحسين المناهج الدراسية للسنوات الأربع الأولى، للرفع من كفايات التلاميذ في اللغة العربية والرياضيات، إضافة إلى الرفع التدريجي للعتبات للانتقال بين المستويات والأسلاك التعليمية، وتوفير الدعم المدرسي للتلاميذ المتعثرين في السنتين الأخيرتين للمستوى الابتدائي.
ومن بين ما تتضمنه مشاريع الرؤية الاستراتيجية، قبول غير الحاصلين على الباكالوريا في التعليم العالي، وذلك عبر اجتيازهم امتحانا خاصا، وهو الجديد الذي أعلنه بلمختار، فضلا عن تأكيده تحسين منهجية تدريس اللغات الأجنبية، والتعليم المزدوج للغات، وتشجيع العلوم والتنكنولوجيا باللغات الأجنبية، خصوصاً الفرنسية والإنجليزية، وتوسيع العرض المدرسي للباكالوريا الدولية المغربية، مشيراً إلى أنه رغم عدم انتمائه السياسي، فإن الحكومة مسؤولة عن إصلاح التعليم وعن هذه الاستراتيجية، مبرزاً أن «هذا التزام وطني أكبر منه حكومي، سيلزم الحكومات المقبلة لتتبع الخطة وتحترم المبادئ والقرارات للوصول إلى أهداف الرؤية». وأوضح بلمختار أن هذا الإصلاح تدريجي، ولا يمكن أن يتم في دفعة واحدة، وقال إن الهدف الأول منه، هو أن يعرف التلاميذ في السنوات الأربع الأولى من الابتدائي أن يكتبوا ويفهموا، وذلك عبر تعزيز القدرة على الكتابة والقراءة. وبخصوص اللغات، أكد أنه سيتم تعزيز التدريس باللغات الوطنية العربية والأمازيغية، إضافة إلى اللغات الفرنسية والإنجليزية في المستوى الابتدائي، على أن يتم التفكير في لغات أخرى مثل الألمانية والإيطالية في المستوى الإعدادي، موضحاً أن الجانب المادي للأساتذة ليس مطروحاً في هذه الاستراتيجية، حينما أكد أن اللقاءات التي عقدت جهوياً لم تتطرق لرفع أجرة المدرسين، وأكد أن الرهان ليس مرتبطاً بالجانب المادي بل بروح المواطنة، مورداً أن الوزارة ستعيد النظر في القانون الخاص لرجال التعليم وفتح تغيير الإطار وفقاً للمردودية والمعرفة والاجتهاد والتكوين.
لزرق: «رئيس الحكومة يختلق الأزمات داخل حكومته مع اقتراب الانتخابات»
- كيف تابعت الأزمة الأخيرة التي اندلعت داخل البيت الحكومي، وما مدى تأثيرها على استقرار الحكومة؟
المنعطف الدستوري اتجه إلى مأسسة رئاسة الحكومة، غير أن الممارسة السياسية لم ترق إلى مستوى مجاراة هذه المأسسة، بفعل بروز أزمات حكومية بين الفينة والأخرى تعود إلى عدم قدرة رئيس الحكومة على الانسجام داخل المنطق المؤسساتي، الذي يتطلب مواصفات معينة، خصوصا عندما تكون حكومة ائتلافية تتجمع فيها العديد من المشارب السياسية. فمن الطبيعي أن تواجه التجربة الحكومية أزمات، ينبغي على رئيس الحكومة احتواؤها من خلال الانفتاح والتواصل مع باقي الشركاء. والحال أن رئيس الحكومة ومعه حزبه، يصور لهم فوزهم بالرتبة الأولى في الاستحقاقات الانتخابية لـ25 نونبر 2011، وتعيينه من طرف الملك، أن أعضاء الحكومة هم موظفون لدى رئيس الحكومة وليسوا وزراء شركاء في هذه الحكومة، مثلا بلاغ رئيس الحكومة بخصوص موقف وزير الاقتصاد والمالية، محمد بوسعيد، من حل ملف الأساتذة المتدربين، كان يجب أن يصدر داخل مؤسسة رئاسة الحكومة وليس بعد اجتماع الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية.
- ما علاقة هذه الأزمات التي تظهر بين الفينة والأخرى مع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية؟
يتبين أنه مباشرة عند الحديث عن تنظيم الانتخابات، تظهر للعلن أنباء عن أزمة حكومية يعزوها الحزب الأغلبي إلى وجود قوى خارجية تتآمر على حزب العدالة والتنمية، وتحاول تقزيم حجمه الانتخابي. إبان الولاية الحكومية الحالية، يمكن ربط أغلب الأزمات بين مكونات الأغلبية الحكومية باستحقاقات انتخابية، أو بتوجه لا يوافق إيديولوجية الحزب، أو محاولة فرض إجراءات لا شعبية تتم التغطية عليها بافتعال أزمة حكومية. وهكذا ففور طرح توقيت تنظيم الانتخابات المحلية والجهوية، انفجرت الحكومة بفعل الحرب الكلامية بين بنكيران وحميد شباط، وانتهت بخروج حزب الاستقلال والتحاقه بالمعارضة. ومباشرة بعدها أظهر حزب العدالة والتنمية تشنجا غير مسبوق في التعاطي مع الخطاب الملكي بمناسبة ثورة الملك والشعب، بتاريخ 20 غشت 2013، بشأن رداءة جودة التعليم المغربي، وهو الخطاب الملكي الذي انتقد انهيار المنظومة التعليمية، الشيء الذي أزعج قادة حزب العدالة والتنمية، فالتزم عبد الإله بنكيران، الأمين العام للحزب ورئيس الحكومة، الصمت، ليفسح المجال لكل من عضو الأمانة العامة والنائب البرلماني عبد العزيز أفتاتي، والنائبة البرلمانية أمينة ماء العينين، للقيام بمهمة الرد على الخطاب الملكي.
وبما أن سنة 2016 هي سنة انتخابية، فقد توالى فيها الحديث عن الأزمات بين رئيس الحكومة وبعض الوزراء، والبداية كانت مع رشيد بلمختار، وزير التربية الوطنية والتكوين المهني، على خلفية ما بات يعرف بقضية «فرنسة الباكالوريا»، حرص بنكيران الانتخابي جعله يتعمد الرد على بلمختار خلال النقل المباشر للجلسة الشهرية، مُظهرا صرامة في تذكير بلمختار بكونه هو رئيس الحكومة، وكان بالأحرى أن يدبر هذا الاختلاف داخل مؤسسة الحكومة. تلتها أزمة بين بنكيران ووزير الفلاحة والصيد البحري، عزيز أخنوش، على خلفية صندوق التنمية القروية الذي نص عليه مشروع قانون المالية لسنة 2016، محاولا اختراق العالم القروي من خلال توظيف هذا الصندوق. تبعتها أزمة أخرى مع وزير الخارجية صلاح الدين مزوار، رئيس التجمع الوطني للأحرار، تبادل خلالها الحليفان الحكوميان الاتهامات، فضلا عما حملته حيثيات الأزمة الحالية للأساتذة المتدربين بين بنكيران ووزير الاقتصاد والمالية محمد بوسعيد، على خلفية مراسلة بين الوزارة وفريقين برلمانيين في مجلس المستشارين، محاولا إلهاء المخيال الشعبي عن ملف التقاعد ورفضه التراجع عن قسمه، حتى وإن كان على حساب مستقبل جزء من أبناء هذا الوطن .
- هل هذا يعني أن حزب العدالة والتنمية يستعمل خطاب المظلومية لجلب تعاطف الناخبين معه في الانتخابات؟
كل تلك المشادات والمؤاخذات مع الشركاء الحكوميين، تم تبريرها بالظهور تارة بمظهر المظلومية، وبكونهم أمام حرب ممتدة بين معسكرين أحدهما أخلاقي والآخر مجرد من أي قيم إيجابية حول إفساد العملية السياسية تارة أخرى، الأمر الذي يكسبه أرضية لتعزيز شعبيته، عبر لغة غامضة تجعل التفسير الشعبي يصورها بكونها قوى عدوة، في محاولة لتمكينه من مردود انتخابي من جهة، وإعفائه من تحمل المسؤولية السياسية من جهة أخرى، والحصيلة «شرعية الإنجاز». نهجهم في تصوير أنفسهم ضحايا مكنهم من تعاطف الناس معهم، خاصة بين الفئات الهشة والطبقة المتوسطة والعاملة.
ومن المعروف أن من عادة بنكيران، في خطاباته، أن يذكر الناس بالاستقرار الذي جاء به حزب العدالة والتنمية، وأنه مستعد لتقديم استقالته للظهور بمظهر الزاهد في السلطة، بغية استثارة عواطف الناس لإعادة انتخابهم مرة أخرى، ولمنع العودة للظلم والقهر وأيضاً للحفاظ على الاستقرار الذي تعيشه البلاد في فترة ولايته.
وادعى بنكيران، أيضا، في عدة مرات، تعرضه لتكالب وسائل الإعلام بشكل فج وصارخ للترويج لحملة تشويه لحزبه ولتجربة الحكومة، وبأنه يكافح من أجل حقوق هذه الفئات المهمشة والمضطهدة، وتصوير نفسه على أنه لا زال يعاني من ويلات وسياط الظلام والمستبدين، وكون حياته مهددة جراء ممارسته للعمل السياسي، مبديا استعداده للموت في سبيل الله، بشكل يحيل على قاموس الاضطهاد الذي تعرض له في الماضي.
4 أسئلة إلى محمد زين الدين : «أحزاب التحالف الحكومي تهدر الوقت في سجالات سياسية عقيمة»
- كيف ترى الأزمات السياسية التي تتخبط فيها الحكومة؟ وما هي مسبباتها؟
الحديث عما يتعلق بالأزمة الأخيرة أو مختلف الأزمات التي مرت منها الحكومة، يمكن أن يدفع المتتبع للشأن السياسي إلى القول إن لديها عاملين أساسيين، أولهما مختلق، وثانيهما شخصي. ففي حال ما إذا أردنا أن نقوم برصد للأزمات التي مرت منها الحكومة طيلة الخمس سنوات الماضية من عمرها، فسيتبين أن ما هو شخصي، يتمثل في السيناريو الذي يمكن أن نعود إليه، من خلال ما جرى بين عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة، وحميد شباط الأمين العام لحزب الاستقلال، اللذين استمرت الأزمة السياسية بينهما مدة طويلة، ما أدى إلى شخصنة الصراع، بين حزبين أساسيين، كانت الحكومة تتألف منهما، قبل أن يغادر حزب الاستقلال وتستمر الأزمة مدة طويلة. أما في ما يخص الجانب الثاني، المتعلق باختلاق الأزمات، فهو تتحكم فيه عوامل عدة، من بينها سوء الفهم والتقدير لبعض الوزراء، أو المكونات الحكومية، وهو ما يؤدي في بعض الأحيان إلى التطاول على اختصاصات بعض الأطراف، وهي كلها عوامل مجتمعة مساهمة في خلق هذه الأزمات، فضلاً عن أن هناك قاعدة أساسية تميز الفاعل السياسي المغربي، تحتم عليه الدخول في تحالفات أبعد مما يمكن أن يتوقعه.
- هل لهذه الأزمات تأثير على خريطة التحالفات السياسية في الحكومة المقبلة؟
يصعب على الباحث أن يتنبأ، بخصوص مجرى التحالفات بين الفرقاء السياسيين، خصوصاً أنه داخل الكتلة الواحدة يمكن أن تظهر أمور غير متوقعة. فالفاعل السياسي، يتوتر لكن ينبذ الصراعات المفتوحة، على الرغم من أن علاقاته تحكمها مجادلات، ووضع الدسائس، لكنها كلها علامات تكشف التوتر فقط، دون أن تتطور إلى اتخاذ قرارات قطعية، لكن يبقى البحث عن التوازنات هما يشغل بال كل الفرقاء.
فالفاعل السياسي المغربي لا يتخذ المواقف القطعية، إذ يمكن للصراع أن يصل إلى حد احتقان كبير، كما حصل بالنسبة إلى عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة وصلاح الدين مزوار رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، لكنه لا يمكن أن يتجاوز ذلك، إلى حد عدم اتخاذ مواقف وقرارات قطعية نهائية، لأن من سيتخذها سيكون متضررا، وهي خاصية تميز الفاعل السياسي المغربي، التي سبق أن لاحظها باحثون سياسيون كثر.
- في ظل هذه المعطيات، هل يمكن القول إن الفاعل السياسي المغربي يتسم بخاصية متفردة؟
منذ بداية الستينات، وهذه الخاصية يتسم بها الفاعل السياسي المغربي، وهذه الجدلية حاضرة في ما يتعلق بحكومة عبد الإله بنكيران خصوصا، وأي مدى سيكون لديها، ذلك سيظهر قبيل وبعيد الانتخابات المقبلة، لكن هناك منطق وحساب تشتغل بناء عليه الأغلبية، والذي يعد حاضرا بشكل كبير داخل حكومة واحدة، لكن ليس هناك انسجام وتناغم حكومي، فالملاحظ أنهم لا يعزفون على وتر واحد، إذ يلاحظ أن هناك معارضة داخل الحكومة.
فالاهتزازات التي عرفتها حكومة بنكيران، لديها ما يبررها، خصوصا ما جرى مع حزب الاستقلال. والاختلالات التي عرفتها الحكومة مع التعديلات التي جرت في الحكومة، بعد خروج عدد من الوزراء منها، أما الاحتقان الذي يوجد الآن، فيمكن رؤيته أنه مجرد توتر ولا شيء سوى ذلك. أما حزب الاستقلال لما خرج من الحكومة فكان اتخذ موقفاً قطعيا، والكل يجمع على أنه تضرر منه، بدليل أن الحزب وقيادييه اعترفوا بذلك، وأنه هو المتضرر الوحيد، في حين أن حزب التجمع الوطني للأحرار، لم يتخذ لحد الآن أي موقف قطعي.
- في ظل هذا الوضع كيف تتوقعون وضع الحكومة في الأشهر المتبقية لولايتها؟
التوتر بين مكونات الأغلبية، مازال مستمرا، فحزب التجمع الوطني للأحرار كان يطمح أن يكون في رئاسة الحكومة، ومحطة 7 أكتوبر هي التي تقود جميع الأحزاب، وتحدد بوصلتهم، غير أن هذا يتعارض جملة وتفصيلاً مع مميزات الحكومة المنسجمة، التي يجب عليها أن تكون متضامنة إلى نهاية مشوارها ونهاية الولاية الحكومية، في حين أن الأحزاب المكونة لها، تهدر الوقت في سجالات سياسية عقيمة، لم تعط أي نتائج تذكر، وهي كلها عوامل تتعارض مع مفهوم الحكومة المتماسكة، على الرغم من أن البعض يرون أن ذلك يدخل في إطار التسخينات السياسية، التي تسبق كل محطة انتخابية، من قبيل الانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها في السابع من شهر أكتوبر المقبل.