محمد اليوبي
أصدرت المحكمة الابتدائية الإدارية بالرباط أول حكم قضائي يقضي بتعويض مواطنة مغربية أصيبت بمضاعفات صحية ناتجة عن تلقيها لقاح «أسترازينيكا» المضاد لفيروس «كورونا». وأثبتت المحكمة مسؤولية الدولة في حماية المواطنين من الأضرار الناتجة عن مخاطر التلقيح، وحكمت عليها بأداء تعويض لفائدة هذه المواطنة قدره 25 مليون سنتيم.
وأفادت المشتكية «ن.ت»، في المقال الافتتاحي للدعوى التي رفعتها أمام المحكمة الإدارية، بأنها تشتغل أستاذة جامعية بكلية العلوم، وأن الجامعة التابعة لها نظمت عملية لتلقيح أطرها بتاريخ 5 فبراير 2021، واستفادت من لقاح «أسترازينيكا»، حيث تعرضت لمضاعفات خطيرة جراء ذلك، ما زالت تعاني من تبعاتها، واعترف لها مركز مراقبة السموم واليقظة الدوائية، التابع لوزارة الصحة، بكونها مصابة بمتلازمة «غيلان باري»، التي تصنف كمرض يصيب الأعصاب الطرفية ويتسبب في ضعفها أو حتى بشللها تدريجيا. وعاين طبيبها التهاب واعتلال الأعصاب متعدد الجذور من نوع المتلازمة المذكورة وشللا على مستوى عضلات الوجه والطرفين السفليين، ومدها بتقريرين يؤكدان ذلك، وتكبدت مصاريف العلاج من مالها الخاص.
وأشارت المعنية إلى أنها راسلت الجهات الحكومية المختصة التي أخضعتها لخبرات طبية من لدن أخصائيين تابعين لوزارة الصحة تكللت بالاعتراف لها، بتاريخ 05 نونبر 2021، بعدم إخضاعها مستقبلا لأي جرعة ثانية أو ثالثة تتعلق بلقاح من اللقاحات المرصودة لفيروس كورونا، وأكدت، في مقال الدعوى، أن مسؤولية الإدارة عن نشاطها الرامي إلى تعميم التلقيح لا تستلزم تحقق أي خطأ من جانبها وأن هذه المسؤولية تتأسس بناء على المخاطر التي يمكن أن تنجم عن أخذ اللقاح تنفيذا لسياسة الدولة في مواجهة جائحة «كورونا»، والتمست الحكم لفائدتها بتعويض.
وأكدت المحكمة، في منطوق الحكم الصادر لصالح هذه المواطنة، أن المسؤولية الإدارية للدولة إما أن تكون مبنية على الخطأ الذي قد يكون شخصيا أو مرفقيا أو أن تكون مسؤولية بدون خطأ وهي مسؤولية مفترضة تطورت منذ ظهورها من نظرية المساواة ثم المخاطر لتنتهي بالتضامن، والتي تتحقق بمجرد حصول الفعل الضار وإثبات المتضرر كون الضرر الذي لحقه نتج مباشرة عن ذلك الفعل الضار بصرف النظر عن وقوع الخطأ من جانب الإدارة من عدمه .
وأوضحت المحكمة أن إطلاق عملية التلقيح ضد فيروس «كورونا» من لدن الحكومة يدخل ضمن الإجراءات الاحترازية المتخذة في ظل الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية إثر تفشي الوباء بمختلف أرجاء العالم، والتي كانت تصاحبها تدابير متخذة بمقتضى البلاغ الحكومي الصادر بتاريخ 18 أكتوبر 2021، تفرض جواز التلقيح في إطار المقاربة الاحترازية لتعزيز التطور الإيجابي للحملة الوطنية للتلقيح والتراجع التدريجي في منحى الإصابة بالفيروس المذكور بفضل التدابير المتخذة من طرف السلطات العمومية وتبعا لتوصيات اللجنة العلمية والتقنية.
وبناء عليه، خلصت المحكمة إلى أنه يقع على الدولة حماية المواطنين من الأضرار الناتجة عن مخاطر التلقيح ضد فيروس «كورونا» على اعتبار أنها دعتهم بصفة ملحة إلى أخذ جرعاتهم من اللقاحات، بل وضيقت على غير الملقحين في ممارسة حياتهم اليومية بشكل طبيعي، وخاصة أنها هي المسؤولة عن المصادقة على لقاحات فيروس كورونا، إذ تناط بمديرية الأدوية والصيدلة، التابعة للإدارة المركزية بوزارة الصحة المدعى عليها، مهمة تسليم التأشيرات والرخص لبيع المنتجات الصيدلية، لأن كل الأدوية، ومنها الأدوية المناعية التي تكون في شكل لقاحات، تكون موضوع إذن بالعرض في السوق مسلم من طرف الإدارة.
وبغرض التثبت من علاقة أخذ هذه المواطنة لجرعة التلقيح ضد فيروس «كورونا» بالمتلازمة التي أصابتها، أمرت المحكمة تمهيديا بإجراء خبرة طبية عهد القيام بها لخبير مختص، خلص في تقريره إلى أن المدعية استفادت من تلقيح استرازينيكا، ومباشرة بعد تلقيها الجرعة تعرضت لعدة مضاعفات، منها احمرار، وتنمل وهبات ساخنة، وبعد عشرة أيام أصيبت بألم في الرجلين من أسفل القدمين إلى الحوض نقلت إثره إلى مصحة، وبعد ذلك تفاقم وضعها الصحي، إذ أصيبت بشلل الأطراف السفلية وتنملات ووجع حاد وشلل في الوجه، ما اضطرها للذهاب إلى مستشفى ابن سينا بالرباط، حيث تم تشخيص حالتها هناك بمتلازمة «غيلان باري»، ثم بعد ذلك تمت معاينتها من طرف طبيب مختص، وشخص حالتها بأنها تعاني من شلل الوجه المزدوج وشلل في الأطراف السفلية مع فقدان ردة الفعل، ما استوجب القيام بالتخطيط الكهربائي للعضلات، وتم تشخيص المرض إكلينيكيا وأخذ عينة من ماء النخاع الشوكي، فثبت فيها أنها تعاني من متلازمة «غيلان باري» بصفة لا شك فيها، الأمر الذي يستوجب العلاج.
وتبين للخبير، بعد دراسة دقيقة في البحوث العلمية التي ظهرت بعد فيروس «كورونا»، أن ما أصيبت به المعنية من متلازمة «غيلان باري» جاء نتيجة تلقيح كورونا، وقد توقفت عن ممارسة مهنتها منذ شهر فبراير 2021 إلى غاية أبريل 2022، وأنه لاحظ، بعد الفحص السريري، فقدان عضلة الوجه لقوتها، واسترجاع ردة الفعل، وهناك توتر واكتئاب نتيجة هذه الحالة النفسية التي تمر منها وأنها حاليا تعاني من فقدان قوة عضلة الجانب الأيسر من الوجه مع توتر واكتئاب واضطراب في النوم وصداع في الرأس، وأن العجز الكلي المؤقت هو 432 يوما ونسبة العجز الجزئي الدائم 15 بالمئة.