حسن البصري
ماذا طلب منك الكولونيل باموس حين قابلته؟
قال لي إن الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم لديها عشرات الطرق لتصدر حكما بتوقيف حكم، فكان ردي عليه مازحا: «كل الطرق تؤدي إلى روما». استمع باموس إلى دفوعاتي وقلت له إن مساره كلاعب دولي جعله يحتك كثيرا بالحكام ويعرف معاناتهم، فرد علي بجملة لازالت ترن في أذني: «أنا لن أمارس التحكيم حتى ولو أعطوني مليارا». وبعد سجال بيننا أكدت له تمسكي بالقضاء فقال لي «جري طوالك». ثم غادرت مكتب قيادة الدرك عائدا إلى مكناس.
استمر الملف في المحكمة حوالي سنة كاملة، لأن البطء ناتج عن عدم رد الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم على المذكرات التي ترسلها المحكمة، بالرغم من توصل الإداري حوران بها، علما أنه كان إطارا بالشبيبة والرياضة والمشتكي بي مندوبا بالوزارة، وهنا مربط الفرس، لكن بمجهودات من المحامي ستحدد المحكمة موعدا للنطق بالحكم.
حدثنا عن جلسة النطق بالحكم في قضية توقيفك مدى الحياة..
حضرت يوم النطق بالحكم رفقة المحامي الذي آزرني، ولأول مرة ألتقي في قاعة المحكمة بمحامي الجامعة الأستاذ لحبابي، الذي غاب عن جميع أطوار المحاكمة ولم يسجل حضوره في كل الجلسات التي حضرتها. صراحة فوجئت بحضوره لأنه كان يتعامل مع الملف باستخفاف كبير ويعتبره شأنا داخليا. الغريب أن لحبابي جذبني من بذلتي وهمس في أذني قائلا: «رئيس الجامعة الكولونيل باموس لا يهزم». صراحة فاجأني بهذا التدخل، لكن جوابي كان هادئا، قلت له ببرودة دم: «أنا أؤمن بالقضاء المغربي وبالعدالة».
هل تذكر أسماء هيئة القضاء في تلك القضية؟
كان يرأس الهيئة القضائية القاضي مكسيم أزولاي، وهو يهودي مغربي كان يبلغ من العمر أكثر من ثمانين سنة، ومعه مقرران هما منتصر الداودي وبن رمضان، وممثل النيابة العامة عبد الحق بن جلون. كان آخر ملف يعرض في تلك الجلسة التي تم فيها الاستماع لكل الأطراف بتمعن، قبل أن تختلي الهيئة للمداولة وتعود للنطق بالحكم وتقر ببطلان قرار توقيفي عن ممارسة التحكيم مدى الحياة بسبب وجود شطط في استعمال السلطة من طرف الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم. أنصفتني العدالة وكانت سعادتي بالقرار لا توصف، وحين التفتُّ لأبحث عن لحبابي الذي قال لي إن رئيس الجامعة لا يهزم، اكتشفت أنه انسحب واختفى عن الأنظار.
ستبدأ مرحلة جديدة لتنزيل قرار المحكمة وعودتك إلى الملاعب..
بعد أيام توجهت إلى المحكمة وتحديدا لكتابة الضبط، حيث حصلت على نسخة الحكم الذي أنصفني، وهو الأول في تاريخ الكرة المغربية. ذهبت رفقة جمال الأبيض، المفوض القضائي، إلى مقر الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم ووضعت نسخة الحكم في مكتب الكاتب الإداري امحمد حوران ونلت وصل التسليم.
هل توصلت عصبة الشمال الشرقي ومندوبية الشبيبة والرياضة بنسخة من الحكم؟
نعم توصلت كل الهيئات بنسخة الحكم، لقد أصبحت، بعد المحاكمة الشهيرة، حديث الرأي العام، كل المنابر الإعلامية تناولت موضوع الحكم الذي رفع دعوى قضائية ضد الجامعة الملكية المغربية.
هل نفذت الجامعة قرار المحكمة؟
ذهبت عند المحامي صلاح الفاسي الفهري، وتحدثنا في هذا الموضوع، فقال لي إن علينا التريث قليلا قبل أن نرفع قضية أخرى ضد الجامعة نتهمها بتحقير مقرر قضائي. لكن بعد خمسة أيام ستوجه لي الدعوة للمشاركة في اختبار بدني وتقني اعتقادا منها بأنني كنت منشغلا بالمحاكمة والحال أنني أتدرب بانتظام. كان الاختبار تحت إشراف حكام كبار، على غرار الزياني وباحو، والسطالي ومبروك والناصري، كان التركيز على مسابقات السرعة والركض، وبعد نجاحي في الاختبارات فوجئت بتعييني في الأسبوع الموالي لقيادة مباريات حارقة.
بسوء نية؟
نعم بسوء نية، لا يعقل أن يعين حكم عائد بعد سنة من التقاضي لقيادة مباريات حارقة، حيث عينت لإدارة «كلاسيكو» الشرق بين الاتحاد الإسلامي الوجدي ونهضة بركان، وكان المراقب هو بن كدة الذي راقب أدائي من سطح منزله المتاخم للملعب البلدي بوجدة. بعدها سأتوصل بتعيين أكثر صخبا ويتعلق بـ«ديربي» العاصمة العلمية بين المغرب الفاسي ووداد فاس، وما أن أنهيته حتى تبين لي أنني تخصصت في «الديربيات» حين تقرر تعييني لقيادة قمة سطاد المغربي واتحاد تواركة، الحمد لله كان معي مساعدون في إطار ثلاثي منسجم، ولهذا نجحت في هذه المواقف الصعبة.