حكايتي مع كورونا
مريم فرجي
وصلت قبل أيام من دولة كانت من أوائل الدول التي تفشى فيها الوباء وخرج عن السيطرة.. وصلت إلى المغرب على خير بعد معاناة يطول شرحها الآن.. واتخذت كل الإجراءات اللازمة لوضع نفسي في العزل الصحي لمدة أسبوعين حتى أتفادى المساس بالآخرين وخاصة والدتي.. فرغم اشتياقي إليها.. بعد غياب طويل دام شهورا.. حرمت نفسي من ضمها… بعد يومين من الوصول تلقيت مكالمة هاتفية من مندوبية الصحة مفادها أن الطائرة التي جئت فيها اتضح أنه كان فيها شخص مصاب بوباء كورونا وأن طاقما طبيا سوف يحضر إلى بيتي في نفس اليوم لمعاينتي.. بعد نصف ساعة وصل الطاقم الطبي وقاموا بقياس الحرارة وسجلوا عدة معلومات عني وعن حالتي الصحية وطلبوا مني الالتزام بالحجر الصحي… منحوني رقما هاتفيا للطوارئ وذهبوا… ومنذ ذلك الحين وأنا أعيش في كابوس لا يعلمه إلا الله.. كل الأعراض التي تشير إلى الكورونا أحسست بها.. أحسست بالحرارة وألم الرأس والسعال الجاف الذي لم يكن يفارقني.. وكل ما يمكن تخيله.. عشت أحلك الساعات.. لم يكن لدي شك في أنني سليمة.. الهلع استبد بي إلى درجة الموت البطيء.. خاصة وأنني أعاني من مشكل صحي يضعف المناعة بالإضافة إلى أنها أصلا ضعيفة جراء تناول مضاد حيوي قوي في تلك الأيام… بعد مغادرة الطاقم الطبي الذي كان وبكل أمانة في قمة الاحترافية واللطف.. أصبحت أتلقى بشكل يومي مكالمات من الأطباء صباح مساء، كل مرة يسألونني عن حرارتي وعن الأعراض وينصحونني بالأدوية التي يجب أخذها لأتخلص من السعال الذي لم يفارقني.. كان كلامهم في قمة اللطف لا بل كنت أحس وكأننا أصدقاء بالطريقة الجميلة التي يكلمونني بها وتشجيعهم الذي كان كل مرة يخفف من خوفي وتوتري.. وليس ذلك فقط، بل كنت أتلقى مكالمات مستمرة حتى من كتابة القيادة ومن القائد نفسه.. ليسألو عن أحوالي الصحية أو إذا كنت في حاجة إلى كمامات أو معقم أو أي شيء من هذا القبيل.. في اليوم العاشر من وصولي لم أعد أقاوم الهلع الذي عشته طيلة المدة السابقة والحرارة ترتفع يوما بعد يوم.. طلبت منهم مرارا إجراء التحليلة لكنهم كانوا يؤجلون ذلك ليتيقنوا من الأعراض.. غير أنه في اليوم العاشر كما قلت انهارت قواي واستسلمت للبكاء.. فحضر الطاقم الطبي بسرعة وأخذوني إلى مستشفى مولاي عبدالله.. هناك في عنبر طويل فارغ إلا من الأسرة والصمت أجلسوني في غرفة بمفردي وأخذو عينة للتحليلات وانصرفوا.. بعد ثلاث ساعات أحضروا لي وجبة العشاء.. أخذت مكاني على سرير نظيف.. الحق يقال.. وغالبت نفسي لكي أنام والدموع لا تفارقني أبدا.. وكلما جاءت لزيارتي إحدى الممرضات إلا ودعت لي بالشفاء.. والشهادة لله كانت معاملتهم لي معاملة تستحق كل التقدير والاحترام..
في الصباح جاء الفرج.. أخبرني الطاقم الطبي بأن التحاليل سلبية وأنني فقط أعاني من التهاب بكتيري لكن يجب علي أن أكمل العزل وأصبر إلى نهاية اليوم الرابع عشر للتأكد كليا من عدم تواجد الفيروس.
لم تكن عندي النية لكتابة هذه الأسطر.. فأنا أعرف أن النفوس ضاقت بمثل هاته الأخبار ولكن لما رأيت التهجم من طرف الكثيرين في منصات التواصل الاجتماعي على الخدمات الصحية بالمستشفيات.. رأيت أنه أصبح علي لزاما أن أقول شهادة حق عشتها في هذه الظروف العصيبة. ولا بد من رد الجميل ولو بكلمة حق عن الطاقم الطبي الذي تكلف بي لمدة أسبوعين بدون ملل أو كلل.. انتهت مرحلة العزل قبل يومين والحمد لله.
من هذا المنبر المتواضع أجدد شكري لكل شخص لازمني في هذه المرحلة الصعبة من أطقم طبية وعناصر القيادة وعائلتي الصغيرة.. لكم جميعا أقول شكرا وشكرا لكل من سيتقاسم هذه التجربة مع الآخرين كشكر وعرفان لكل رجال الصحة ورجال السلطة الساهرين على أمننا وصحتنا.. وقانا الله وإياكم من كل مكروه.. وحفظ هذا الوطن الذي لا نعرف قيمته إلا عندما نلسع بنيران البعد عنه..