حكاية الشرطي الذي تزوج الحاجة الحمداوية وانتهى به المطاف حارسا خاصا
في درب كرلوطي بالدار البيضاء عاشت الحاجة الحمداوية، واسمها الحقيقي «الحجاجية»، نسبة إلى أصولها المزابية من منطقة سيدي حجاج. قضت طفولتها في وسط يعاني من ضيق الحال، خاصة وأن والدها كان قد أقعده المرض ما دفعها إلى تقلد مسؤولية إعالة أشقائها وشقيقتها، عبر امتهان حرفة رفضها الوالد رفضا قاطعا.
عاشت الفتاة حياة الخصاص وعرف عنها عشقها للغناء والمسرح من خلال محاكاة كبار نجوم الطرب الشرقي، كما صعدت الخشبة وقدمت أدوارا طفولية لقيت استحسان الجميع، قبل أن تلتحق بالجوق الوطني بقيادة المعطي البيضاوي. حينها بدأ التوتر يسيطر على علاقتها بوالدها الذي هدد بنحرها إذا استمرت في الغناء والتمثيل، خاصة أن والديها انفصلا عن بعضهما البعض وهي طفلة لا يتجاوز عمرها ست سنوات، إذ اختارت الأم العيش في كنف زوج جديد بعيدا عن درب السلطان، علما أن دخول الفتاة عالم الطرب كان من مسببات الصراع بين الزوجين.
بادر والد الحمداوية إلى تزويجها برجل أمن يعرف في درب السلطان بـ«سمحمد لاسورطي» أي الشرطي، وعمرها آنذاك 16 سنة. ومن أفضال هذا الزواج على الحمداوية أن شريك الحياة كان عاشقا لـ«العيطة»، لذا تمكنت من القفز نحو ضفة الترف والجاه لفترة طويلة، قبل أن تعود إلى منطلقها وتتوقف طويلا في ضفة الخصاص.
منذ نهاية الخمسينات، بدأ اسم هذه الفنانة الشعبية يملأ سماء مهنيي فن «العيطة»، وأصبحت تشكل نقطة ضوء في درب السلطان الذي أنجب مشاهير الفن والفكر والرياضة. لكن رغم زواجها من مفتش شرطة، فإنها ظلت تبحث عن فرصة للتخلص من قيود الحياة الزوجية، وانطلقت رسميا في مجال الطرب الشعبي ونالت صفة «شيخة» بعد طلاقها وإنجابها لابنها الوحيد «ادريس»، الذي يتجاوز عمره الآن سبعين سنة، خاصة بعد أن أصبحت جزءا لا يتجزأ من سهرات الجنرال محمد أوفقير، الذي عينها متعهدة رسمية لسهراته الخاصة والعامة، ما أغضب الزوج وأدخلها، بعد تورط أوفقير في الانقلاب على الحسن الثاني، في متاهة لا مخرج منها، سيما بعد أن غادرت رفقة زوجها درب كرلوطي واستقرت في منطقة الهرهورة.
ولأن الحمداوية عاشت في درب كرلوطي بالزقاق نفسه الذي ولد فيه اللاعب الدولي السابق المرحوم مصطفى شكري، الملقب بـ«بيتشو»، فإنها لم تتردد في القول إنها كانت مرضعة لعدد من أبناء درب كرلوطي، خاصة اللاعب الدولي «بيتشو»، الذي تقول عنه إنه ابنها بالرضاعة، لأنه تربى في بيتها وفي حضنها، وهو ما ينفيه محمد عبد العليم المعروف بـ«بينيني»، لاعب الرجاء وقريب «بيتشو»، جملة وتفصيلا.
بعد الطلاق، تعرض زوج الحمداوية لحادث مأساوي نتج عنه بتر في اليد، وهو ما حال دون استمراره في العمل، ليقرر الاشتغال في الحراسة الخاصة رغم العاهة المستديمة، فيما قطعت الحمداوية الشك باليقين بعد انقلابي بداية السبعينات، إذ قرر الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1973 إرسال المغنية الشعبية الحاجة الحمداوية، إلى الديار المقدسة لأداء مناسك الحج، ضمن البعثة الرسمية للمملكة، وذلك بعدما أصبحت مغنية بلاط، من خلال مجموعة من الأغاني التي تشيد بالملك الحسن الثاني، ما جعلها أول مطربة تضع «العيطة» في خدمة القصر.
اعتقد الكثيرون أن صوتها سيتوقف عن الغناء، وأن التوبة هي المأوى، لكن بعد فترة توقف حولتها إلى مواظبة على الصلوات الخمس وارتياد المساجد، شعرت رائدة «العيطة» بأنها في أمس الحاجة لـ«هزة الكتف»، فقررت العودة إلى الميادين لشدة خوفها على البحر من الرحيل. وبررت طلاقها من الزهد والتعبد بالوضعية الاجتماعية المتردية، والتي تفرض عليها إعالة أسرة تتكون من سبعة أفراد جلهم كانوا بدون مورد رزق. لذا لم تتردد الحمداوية في القول: «باغا نتوب لكن الله غالب»، فمن الصعب استبدال «البندير» بالتسبيح.
كادت الحمداوية أن تدخل السجن بعد أن تراكمت عليها الديون وهي في مدينة طنجة، تنشط سهرات العلب الليلية، إلا أن استضافتها من طرف إذاعة طنجة وطرح قضيتها للنقاش، دفع اللاعب الدولي السابق عبد الرحمن المحجوب إلى التفاعل مع مأساتها، وتصفية ديون الشقة التي كانت تستأجرها في شارع المقاومة بطنحة، ومنذ ذلك الحين قررت الحمداوية مغادرة طنجة التي أقامت فيها مدة سبع سنوات لتعود إلى الدار البيضاء.