حكاية «الشبة» و«الطرطار» مع بنكيران و«البام»
في 10 ماي 2014، صرح الملياردير كريم التازي، صاحب علامة «ريشبوند»، بأن «العدالة والتنمية باع المغاربة وعودا زائفة». بعدها «دارت الأيام»، على حد قول السيدة أم كلثوم، وسمعنا «مول السداري» يقول إن «الطبقة البورجوازية صوتت لبنكيران لأنه لا يسرق». وهكذا فبعد عام وأربعة أشهر، تحول الملياردير الثائر والغاضب على الحزب الحاكم، إلى قارئ فنجان ومطلع على الصدور وناطق باسم البورجوازية المغربية، حتى ليخيل إلى المرء أن كريم التازي كان مرابطا ومختبئا يوم التصويت داخل المعزل، يطلع على أصوات البورجوازيين قبل أن توضع في صندوق الاقتراع، في مشهد مشابه لقصة «العفريت والعنزات الثلاث».
وحتى إن صحت رؤى كريم التازي، فإن تصويت البورجوازية على بنكيران، إن حصل فعلا، فإنه يرجع بالأساس إلى أنه أفنى سنوات رئاسته للحكومة يعد القوانين ويعبد الطرقات في البحر لاسترجاع الأموال المهربة ويعفو عن أصحابها، بعدما رفع السقف عاليا بما لا تحلم به البورجوازية المغربية وقال لهم: «عفا الله عما سلف»، ما عدا إن كان الملياردير التازي يعتبر أن الأموال بالملايير والأصول العقارية المكدسة في بنوك إسبانيا وسويسرا واللوكسمبورغ وفي الجنات الضريبية في جزر الكايمان، كانت في ملك «المزاليط» من أبناء هذا الشعب، وليست في ملكية من أفقروا المغاربة وتهربوا من الضرائب واستولوا على المال العام، وكافأهم بنكيران الذي لا يسرق، على حد وصف التازي، بل فقط يجازي المهربين.
رأينا مع نتائج الانتخابات الأخيرة أن الحزب الحاكم يتوفر على خلايا نائمة في مواقع التواصل الاجتماعي، تقوم بدور صالونات الحلاقة والتجميل لسياسة الحزب، واكتشفنا أيضا أن هناك فئة مثل الملياردير كريم التازي، لا تتردد في أن تقوم بدور «شكّارة العروس» و«تاشوافت» لصالح بنكيران وصحبه، في تبادل للأدوار وباستراتيجية محكمة ومستوردة مما يفعله أردوغان في تركيا، وهي سياسة تبني تواصلها على «قلب شقلب» وعلى النفخ في الشعبية وبناء الهالة والخوارق على الزعيم. وحين تنتهي من قراءة ما يقدمون أو تسمع ما يتفوهون به تصيبك غصة في الأنف والحلقوم بسبب قوة رائحة «السيراج» المنبعث.
خطأ بنكيران القاتل هو أنه دخل الانتخابات وهو يحفظ كتب سيد قطب ويقسم الأحزاب المغربية إلى محوري شر وخير على خطى جورج بوش، ولم يعر أدنى اهتمام لنظريات ومؤلفات ريمي لوفو وجون واتربوري، عن الفلاح المغربي المدافع عن العرش، وعن البنيات الدينية والأسرية والقبلية والمادية والحداثية للمجتمع المغربي، فكان طبيعيا أن كل الخطوط الحمراء التي وضعها بنكيران في وجه خصومه تتحول إلى قوس قزح، بعدما أصبح شريكا للأصالة والمعاصرة في «الطعام»، ولم تعمر فرحة رئيس الحكومة طويلا ووقع له ما وقع لليتيمة في المثل الشعبي، حين «ناضت تشطح ساعا تهرسو الدرابك».
وما بين إعلان النتائج وانتخاب مجالس الجماعات ومجالس العمالات والأقاليم والجهات، تغيرت النبرة في كلام السي عبد الإله بنكيران، وحتى ملامح الوجه دانت إلى العبوس، بعدما خذلته الأرقام وخانه الإخوان، وصعق الحزب الحاكم في منتخبيه الذين لم يصوتوا حتى على حزبهم الذي منحهم المقاعد الجديدة في انتخابات المجالس الإقليمية. وبعد أن كان «البام» خطا أحمر بالنسبة لتحالفات «المصباح»، أصبح أحمر شفاه على وجه العدالة والتنمية، في جماعات يرأسها الأصالة والمعاصرة مع نواب للرئيس من الحزب الحاكم، في تجسيد كامل الأوصاف للمثل الشعبي المغربي: «تلاقات الشبة والطرطار وخرجت الصباغة هندية».