حسن البصري
استقال عبد الرحيم المتمني من رئاسة اللجنة المركزية للتحكيم، ولأنه كان يشغل مهمة الناطق الرسمي لهيئة التحكيم، فقد كانت الاستقالة مزدوجة.
منذ عودته من الديار المقدسة، وهو يخطط للابتعاد عن هيئة يطاردها اللغط كلما دارت الكرة حول نفسها. في خلوته الروحية خطط المتمني للاستقالة، وأشهرها كما يشهر حكم بطاقة حمراء في وجه لاعب انفلتت تصرفاته.
استقال محمد الكزاز من منصبه كمدير في مديرية التحكيم، بسبب تدخل سافر لأولي الأمر في لوائح الترشيح لحمل الشارة الدولية، وقال إن الاستقالة تمت بعد استشارة أسرية وطبية.
أما يحيى حدقة، مدير الحكام السابق، فقد «استقالوه» وتركوا له هامشا للتحرك في محيط التحكيم، حتى لا يصاب بالاكتئاب التحكيمي. وحين سقط حدقة سقط معه حكام قيل إنهم حواريوه، وفي رواية أخرى «مريدوه».
الاستقالات والإقالات لن تتوقف عقب هذا الزلزال الذي يضرب جهاز التحكيم، لأن الزلازل تتبعها هزات ارتدادية خفيفة، ولأن الانفصال لا تكتمل أركانه، إلا إذا أريق على جوانبه مداد الإثارة.
في زمن مضى كان الحكم يتمتع بالسلطة التقديرية، قبل أن يقتسمها معه صندوق «الفار»، هذا الكائن الذي يجبر حكامنا على الوقوف أمامه خاشعين متضرعين لدقائق، قبل أن يؤيدوه أو يعرضوا عنه.
من المفارقات العجيبة في حياة الحكم، أن يعيش، هذا القاضي الآمر الناهي المتحكم في أطوار المباراة حصارا معنويا، ليس له طبيب يسعفه ولا ممرض يختص بأعطابه ولا جمهور يشجعه ولا وكيل أعمال يساير مساره.
نظريا، الحكم هو الوصي على تطبيق القوانين على رقعة الملعب، لكن لا يربطه عقد مع مديرية التحكيم، بينما كل اللاعبين تحميهم عقود من عوادي الزمن.
الحكم هو الأكثر ركضا من بين جميع اللاعبين فوق رقعة الملعب، والأكثر ركضا بحثا عن تعويضاته خارج الملعب.
كل ما يحظى به الحكم، طوق أمني بمجرد إطلاق صافرة النهاية، حيث يهرول البوليس نحوه فيطوقوه بدروع بشرية، فيقتادوه إلى غرفة الملابس كأنه هارب من العدالة.
حين انهزم المنتخب المغربي أمام نظيره الجزائري، في دجنبر سنة 1979، قرر الملك الراحل الحسن الثاني حل الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، واستعان بلجنة تصريف الأعمال. خلال الاجتماع اقترح وزير الرياضة، عبد الحفيظ القادري، على الملك توقيف البطولة، وإعادة ترتيب أوراقها من جديد.
رفض الحسن الثاني المقترح وقال للوزير الاستقلالي: «إلا وقفنا البطولة لمن غادي يقول الجمهور: «وا لاربيط أمسخوط الوالدين»؟». وكان يقصد دور الكرة كمتنفس، ويرثي لحال الحكام الذين يتحملون شظايا الغضب الساطع الآتي من المدرجات.
صونا لكرامة وكبرياء الحكام، لا تشهر جامعة الكرة أسماء قضاة الملاعب الصادرة في حقهم عقوبات انضباطية، ولا تعرضهم على لجنة الأخلاقيات، حتى ساد الاعتقاد بوجود حصانة تحكيمية.
كثير من قضاة الملاعب قرروا اللجوء إلى قضاة المحاكم المدنية حين مسهم الضرر، فقد لجأ الحكم الدولي هشام التيازي للقضاء، وبعد عدة جلسات كسب القضية قبل أن يعلق «الصفارة».
وقبله لجأ الحكم التطواني محمد المرون للقضاء بحثا عن الإنصاف، فكسب القضية بركلات الترجيح، وأعرض عن الصفارة.
أما الحكم المكناسي سعد الصايغ، فكان له نفس طويل في مقاضاة جامعة الجنرال إدريس باموس، وانتزع نصرا معنويا، ثم اعتزل الصفير.
في زمن مضى كان أغلب الحكام ينتمون إلى سلك السلطة، وحين تطأ أقدامهم أرضية الملعب ويطلقون صفيرا قويا، ترتعش فرائص اللاعبين من هول الموقف. يذكر الجيل السابق من متتبعي كرة القدم المغربية الحكم الدولي عبد الكريم الزياني، الذي عرف بلازمته الشهيرة: «ضربة جزاء لا غبار عليها»، وحين توفي نزلت طبقات الغبار على ذكراه.
استقلالية التحكيم مجرد إشاعة.